وارتقى زارا ذات مساء الربوة المشرفة على مدينة (البقرة الملونة) فالتقى هنالك بفتى كان يلحظ فيما مضى صدوده عنه؛ وكان هذا الفتى جالساً إلى جذع دوحة يرسل إلى الوادي نظرات ملؤها الأسى، فتقدم زارا وطوق الدوحة بذراعيه وقال: - لو أنني أردت هز هذه الدوحة بيدي لما تمكنت. غير أن الريح الخفية عن أعيننا تهزها وتلويها كما تشاء. هكذا نحن تلوينا وتهزنا أيادٍ لا ترى
فنهض الفتى مذعوراً وقال: هذا زارا يتكلم! وقد كنت موجهاً أفكاري إليه
فقال زارا: ما يخيفك يا هذا؟ أليس للإنسان وللدوحة حال واحدة؟ فكلما سما الإنسان إلى الأعالي، إلى مطالع النور، تذهب أصوله غائرة في أعماق الأرض، في الظلمات والمهاوي
فصاح الفتى: أجل! إننا نغور في الشرور؛ ولكن كيف تسنى لك أن تكشف خفايا نفسي؟
فابتسم زارا وقال: إن من النفوس من لا نتوصل إلى اكتشافها إلا باختراعها اختراعاً
وعاد الفتى يكرر قوله: اجل إننا نغور في الشرور. قلت حقاً يا زارا، لقد تلاشت ثقتي بنفسي منذ بدأت بالطموح إلى الارتقاء فحرمت أيضاً ثقة الناس، فما هو السبب يا ترى؟ إنني أتحول بسرعة فيدحض حاضري ما مضى من أيامي. ولكم حلّقتُ فوق المدارج أتخطاها وهي الآن لا تغتفر لي إهمالي. إنني عندما أبلغ الذروة أراني دائماً منفرداً وليس قربي من يكلمني، ويلفحني القَرُّ في وحدتي فترتجف عظامي، وما أدري ماذا أتيت أطلب فوق الذرى!
إن احتقاري يساير رغباتي في نموّها، فكلما ازددت ارتفاعاً زاد احتقاري للمرتفعين فلا أدري ما هم في الذرى يقصدون. ولكم أخجلني سلوكي متعثراً على المرتقى، ولكم هزأت بتهدج أنفاسي. إنني أكره المنتفضين للطيران. فما أتعب الوقوف على الذرى العالية!
ونظر زارا إلى الدوحة يتكئ الفتى عليها ساكتاً فقال: إن هذه الدوحة ترتفع منفردة على