في هذا الشهر رحل عن هذه الدنيا قائد الحملة الكبرى على عقائد البغضاء والعصبية النكراء
وفي هذا الشهر ولد قبل تسع وسبعين سنة، قضى أيامها العاملة في حرب دائمة ونضال واصب؛ حرب للحرب في سبيل المطامع والأباطيل، ونضال للنضال على الغنائم والأسلاب
وكان أكبر الرجاء عنده أن تبطل الحروب في العالم بأسرة. فقضى الله أن يشهد الحرب العظمى قبل ثلاثين سنة، وألا يفارق الدنيا حتى يشهد حربا عالمية أخرى أكبر وأهول من الأولى، ويذهب من دنياه وهي قائمة والرجاء في عقباها مبهم مجهول
كتب في مذكراته بعد نشوب الحرب الماضية:(أحس أنني في نهاية مواردي. ليتني قضيت نحبي. فظيع أن يعيش الإنسان والناس قد ضيعوا الصواب انطلقوا مجانين. فظيع أن نشهد الحضارة تنهار. إن هذا الحرب الأوربية أكبر الكوارث البشرية في مدى قرون عديدة. إنها تعصف بأغلى الآمال في الاخوة الإنسانية) وكتب بعد أيام: (ألمي جسيم لأنه يتجمع من ألام شتى ويوشك أن يخنق أنفاسي. . . تخريب فرنسا ومصير أخواني بين المصارع والجراح، والحزن على جميع هذه المصائب، ولواعج الفزع التي تمزق القلوب تعتلج بها صدور الملايين من المبتلين.
يساورني ذلك كله كأنما أنا في سكرات موت أدبي كلما نظرت إلى هذه الإنسانية المجنونة تبذل أغلى ذخائرها. . . تبذل جهودها وعبقريتها وحماستها وبطولتها قرباناً لأرباب الحرب الغبية السفاحة. . . إنني كسير القلب إذ أنظر فلا أرى علامة من العلامات تشير إلى أية رسالة ربانية. . . أية روح سماوية. . . أية زعامة خلقية يناط بها الرجاء في إقامة مدنية الله بعد نهاية المذبحة. . . لقد بلغ يأسي من كل حياتي غاية مداه. فليتني أرقد اليوم رقدة لا يقظة بعدها)
وعلى هذا اليأس البالغ في قرارة نفسه لم يلق سلاحه ولم يتخل عن موقفه في ميدانه: ميدان الحملة على البغضاء، وعلى شياطين القتال