للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة سورية

الضَّرَّتان

للسيدة وداد سكاكيني

قالت أَمُّونة لصديقتها هدى: أرأيت حسد الناس لصداقتنا، ولغطهم في تأويلها وإحاطتها بالأقاويل؟ إنهم لا يودون أن يرونا كالأختين فيغيظهم أن يشهدوا صديقتين ألفت بينهما براءة المودة وطول المصاحبة وتقارب السن وحسن الجوار، وإن شاؤا فبيننا وشائج القربى تحكم الصلة وتهون اللقاء. أليس زوجك ابن خالتي؟ أمي اليوم مكان أمه، ولئن غاب عنه وجه الوالدة فإنه يراه في الخالة

لقد بت البارحة قلقة عليك متألمة لألمك، إذ تركتك تشكين صداعاً أليماً فأصبحت أسأل الله لك الشفاء.

كان الصداع الذي ألم بهدى نذير حمى طرحتها في السرير شهراً، وكانت أمونة لرفيقتها خلال المرض مواسية وممرضة، فلازمتها برضى أمها وبقيت عندها حتى دخلت دور النقاهة فعظمت يدها عند هدى وأكبرت صداقتها ومروءتها، وخلطت حياتها بحياة أًمُّونة حتى كانتا لا تأكلان أكلة شهية إلا معاً ولا تفترقان إلا غراراً. كل هذا والزوج يسبغ النعمة على زوجته هدى، ويغمرها بالخير إذ مده الله بتجارة رابحة وبركة راجحة. وقد أكرم أمونة ابنة خالته وقدم لها بعض الهدايا جزاء معروفها وإخلاصها

كان طاهر زوج هدى كهلاً وقوراً، أعز شيء لديه في حياته الدين، وألذ عمل عنده القيام بواجباته وتوفير السعادة لبيته. وقد عرف فيه الناس التعفف والاستقامة والبعد عن الغبن والغش فعجبوا كلهم من اسمه الصادق، فكانوا يقولون عنه: طاهر الاسم، وطاهر الذمة والضمير؛ ولكن الله لم يتم نعمته على الزوجين، فقد مر على قرانهما خمس سنوات ولم يرزقا ولداً، يوثق ما بينهما برباط أكيد، ويملأ منزلهما أنساً ومرحاً، فكانت هدى تحس الأمومة صارخة في غريزتها، فتشم عبقها من أطفال الناس حتى تهتاج طبيعتها وتشتد حيرتها. بيد أنها ترتد إلى عقلها بعد قليل فتكبت شعورها وتكفكف حدتها خشية أن يلحظها

<<  <  ج:
ص:  >  >>