مدير المحطة الدكتور كرسلاند كما أسلفنا وهو عالم بيولوجي له خبرة حسنة بحياة المرجان وأجناسه وتطوراته، وهو في العقد السادس من عمره، طويل القامة، صحيح الجسم، وسيم الوجه، لطيف المعشر، إذا تكلم رفع صوته لثقل في سمعه، وهو جم النشاط تجده في المعمل، ثم تراه في المكتب، ثم تلقاه في الطريق، ثم تعثر عليه في الجراج، ثم تبصره في البحر، ثم تعلم انه في مركز الشركة ينظم وسائل نقل الماء مثلا، وهكذا فهو حركة دائمة تلقاه في كل مكان. ولعل من احسن فضائل الرجل حبه الشديد للمحطة ورضاه التام عن حالة العزلة التي يعيش فيها.
كان الجو طوال المدة التي مكثناها بالغرفة معتدلا، فلم تتعد درجة الحرارة في معظم الأيام درجة الثلاثين على الترمومتر المئوي، مع جفاف شديد في الهواء قل أن تجده على شواطئ البحار، ونسيم البحر دائم الانطلاق، وأحيانا يشتد حتى لينقلب في بعض الليالي إلى ريح عاصفة، تثير الأمواج وتهز البيوت وتقلق المضاجع.
وماء البحر بالقرب من الشاطئ دافئ لا يجد فيه الكثيرون ممن ألفوا الاستحمام في الشواطئ المصرية الشمالية متعة البحر ولذته، كما إن السباحة فيه أحيانا غير مأمونة العاقبة لوجود سمك القرش بكثرة في هذه الجهات.
كان الباعث للرحلة عمل مباحث واسعة النطاق على الطفيليات التي تعيش في اسماك البحر الأحمر، وقد استحضر معه الدكتور عبد الخالق بك جميع ما يلزم لهذا البحث من أجهزة علمية ومواد كيميائية، ملأت صندوقين كبيرين من الخشب، وعقب وصولنا وضع الدكتور الخطط الكفيلة بتحقيق الغاية على الوجه الذي أراده، فكان صيادو المحطة يخرجون كل يوم للصيد في قواربهم الصغيرة (الهورى) ويعودون بها عند بزوغ الشمس موقرة بأنواع السمك المختلفة بين صغير وكبير، وعند وصولها يستقبلها الدكتور ومساعدوه، ويشرعون في الحال في ترتيبها إلى فصول ثم تشق بطونها وتفحص محتوياتها بالمجهر بالعناية والتدقيق وطول الأناة التي يستلزمها البحث العلمي.