لا اعرف. ما هو هذا الشيء الذي يجذبني إلى قراءة هذا الشاعر، ومعاودة هذا القراءة الفينة بعد الفينة.
فليست جودة شعره هي كل شيء، فهناك من يفوقه طلاوة لفظ، وصحة أداءه، وسمواً في الشاعرية.
لا لأنه يعيد لنا صورة حقبة رائعة للمجد العربي، والحضارة العربية، التي نما في أحضانها وتقلب في أعطافها، والتي تغذي فينا هذه العزة القومية، التي نشعر أنها مثلومة، كلما رأينا الوطن نهباً مقسما مهيض الجناح. . . هناك غيره من الشعراء، يمثلون أروع الحقب، وأزهى الأزمنة للفتح الإسلامية ثم نحن لا نستطيب احاديثهم، ولا نستملح سيرهم بهذا المقدار. . . ولعل السبب يعود إلى هذه العواطف والفكر، التي يبعثا فيك هذا الشاعر، والى هذا التركيب النفساني، الذي يبعث فيك صدى متضارب النغمات، ومزيجاً من العواطف فيها السخرية المشوبة بالعطف، وفيها الضحكة العالية، تنطلق لتقطعها عواطف الرثاء والرحمة. . . وليس هذا بالقليل، وآية متعة أسر للنفس، واخصب للفكر، من أن تفخر وترثى وتتفكه وتعبث. ثم تستعبر لتعود فتضحك ملء أشداقك. إنها الحياة مصغرة في سيرة شاعر ما أحراها منا بدراسة مستفيضة.
نسب أبي العتاهية وعصره
قوام النقد في العصر الحديث
النقد الحديث يقول أن العبقري ثمرة عصره، غذتها هذه الأصلاب، وهذه البطون تتلقفها، وهي تنسل من الاجيال، وتتمشى ببطء إلى زمنها المقدور وميقاتها المحثم، فللبحث في خصائص العباقرة، يجب أن تتناول قبل كل شيء البحث في أزمانهم، وتحليل هذه العوامل التي تتضافر على خلقهم. ثم مقياس إبداعهم الفني، وما يتركون من آثار، بمقاييس الجمال والفن المتواضع عليها في أزمانهم. . .