قرأت كتابك الجديد (من يوميات محام) فقضيت في قرأته وقتاً غير قصير استوعبت خلاله ما جاد به قلمكم من سديد النظرات، وبديع الأفكار والتأملات، وصادق الأماني والآمال وقضيت وقتاً آخر في الإعجاب بالروح التي أملت عليكم هذا الكتاب، إنها روح الرغبة المتوثبة في الإصلاح والنهوض القومي والبرم بما يعترض هذا الإصلاح من شتى العلل والعقبات. فيا حبذا هذه الروح الطيبة ويا حبذا الكتاب الذي يبرزها ويجليها!
رأيتك أيها الزميل تدون خواطرك وملاحظاتك اليومية عن المحاماة والحياة القضائية والاجتماعية عامة، وما أحوجنا إلى أن نتعرف هذه الخواطر والملاحظات، فإن المحاماة ما هي إلا الحياة الاجتماعية على حقيقتها في معاملات الناس، وعلاقتهم ببعضهم ببعض وما يتخللها من صدق أو غش، ووفاء أو غدر، وشجاعة أو جبن، ونبل أو ضعة، وفضيلة أو رذيلة. إننا نشهد فيها صورة متناقضة من الحياة. ولقد جلوت هذه الصور، ومجدت النواحي السامية منها، واستنكرت نواحي القصص والضعف الخلقي فيها فجاءت يومياتك خير دعاية للمثل العليا.
رأيتك في كتابك تشرح بعض مواطن النقص من حياتنا القضائية عامة، سواء في دور المحاكم أو في ملفات القضايا أو في أقلام الكتاب والمحضرين، ولم يفتك أن تأخذ على زملائك في المهنة ما رأيت موضعاً للنقد، وفي الحق إنها لشجاعة أدبية تحمد عليها، وإنها لملاحظات ومشاهدات جديرة بأن تكون أساساً للنهوض في نواح عديدة من نظمنا القضائية والتشريعية؛ فإن هذه النظم على إنها سائرة إلى الأمام في حاجة إلى معالجة وإصلاح مستمرين لا ينقطعان.
وفي كتابك ناحية أخرى جديرة بالاعجاب، وهي انك ما أردت منه إلا الخير والإصلاح؛ وما قصت إلا وجه الوطن، وعندما انتهيت من قرأته عدت إلى التأمل في مقدمته التي تقول فيها: (إلى مصر الخالدة، التي عاهدت ربي أن أعيش من أجلها، وأفنى في سبيلها،