لعل ما تقوم به سويسرا في الأيام الأخيرة من الاستعداد الحربي وإنفاق
الأموال الطائلة في سبيل التسليح، يعد مثلاً بارزاً لكثير من الأمم التي
تخال أنها في مأمن من الحوادث. فقد كانت سويسرا من سنة ١٩٢٠
إلى سنة ١٩٣٠ تقتصد في نفقات التسليح كل الاقتصاد، حتى أنها لا
تقرر لأجله في ميزانيتها إلا مبلغاً ضئيلاً لا يكفي إلا لشراء بعض
الآلات الحربية الخفيفة إذ أنها لم تكن تشعر في تلك السنين بأي تهديد.
فسويسرا متاخمة لفرنسا، وأمة كالأمة السويسرية أشتهر أهلها بالرزانة
والعقل وحب السلام، لا يزعجها وجود الجيش الفرنسي عند حدودها
وفي سنة ١٩٣١ والسنين التي تلتها أخذت سويسرا تعمل لزيادة التسليح ولا تدخر وسعاً في هذا السبيل. وذلك أن شبح هتلر كان قد بدأ يحلق في سماء القارة الأوربية. ولم تكن سويسرا حتى سنة ١٩٢٩ تقدر للتسليح أكثر من ١٦ ? من الميزانية العامة. فلم تمض عشر سنوات حتى وصلت النسبة إلى ٢٢ ? ولكن هذه المقادير لم تكن لتفي بحاجاتها إلى السلاح وما تتطلبه من الأموال الطائلة. فعقدت قروضا فيما بين ١٩٢٩ - ١٩٣٠ لأجل الدفاع بمبلغ ٦٤٨ مليوناً من الفرنكات السويسرية أو ما يوازي ٣٢. ٠٠٠. ٠٠٠ من الجنيهات
ولم تقف سويسرا في استعدادها الحربي عند هذا الحد، فمنذ سنة ١٩٣٦ نشطت هذه الأمة الوادعة في تنظيم جيشها، وحشد قواها، وتعزيز جبهتها، وزيادة مدة التدريب العسكري بين أبنائها. وإذا كانت سويسرا فيما مضى لم تفكر في إقامة المصانع الحربية، فقد أصبح لديها الآن مئات من المصانع الكبيرة المعدة لهذا الغرض في أنحائها المختلفة. أما قوى الطيران الدفاعية منها والهجومية، فقد أصبحت على قدم الاستعداد، وقد أقيمت استحكامات عظيمة