يخطئ من يظن أن النقد رصد للأخطاء وتلمس لأوجه الضعف في العمل الفني. فمثل هذا النقد لا يصدر إلا عن ناقد عاجز لا يقوى على مجابهة العمل الناجح، لأن في نجاحه ما يذكره بعجزه، ويؤكد فيه ضعفه. وهذا الضعف من النقاد لا وجود له إلا في مجتمع بدائي يترصد الناس فيه بعضهم لبعض، وعلى عكسهم يكون الناقد الأمين الذي يتحدى جانب القوة في العمل الفني ويفرح بلقاء العمل الناجح ولا يضيق به. ومن هنا حق لنا أن نرحب بالترجمة الفرنسية لمسرحية الدكتور بشر فارس (مفرق الطريق) التي عرفت المسرحية قبل أن تأخذ طريقها إلى المطبعة فمثلت بنجاح على (مسرح الجيب وفكرت الصحف الفنية أن في النية إعادة تمثيلها في سبتمبر القادم. وظهرت هذا الشهر مطبوعة في المجلة العالمية لفن المسرح ونحن نرحب بهذه المسرحية لأنها لكاتب من كتاب الطليعة في النقد والأدب العربي، ومسرحية كانت من أولى المسرحيات الرمزية التي طالعت المكتبة العربية، ومثلت بنجاح على المسرح الفرنسي، وكم تقنا إلى مشاهدتها على المسرح المصري لنحكم أنها للتمثيل قبل أن تكون للقراءة.
وكنا قد يتصدى لنقد المسرحية، أقرر أني أعتمد على النص المطبوع في منا قشة بنائها المسرحي، أما الجانب التمثيلي فقد كفاني مناقشته نقاد باريس، ولنا عودة إليه حين تشهد مصر تمثيل هذه المسرحية كما شاهدتها فرنسا.
وقبل أن أبدأ النقد هناك حقيقة يجب أن نتفق عليها هي أنه إذا كانت الأعمال الفنية تحمل بين ثناياها مقاييس الحكم عليها، وأن الفنان يحدد اتجاهه بحكم ثقافة العصر الذي نشأ فيه فإن المؤلف هذه المسرحية جعل المسألة أكثر تحديداً وإلزاماً حين قدم لمسرحيته بتوطئة طويلة عن الرمزية وطبيعة تناولها لها. ومن هنا أرى أنه من التعسف أن يخضع الناقد الكاتب لاتجاهين هما حتماً مختلفان بحكم الثقافة والجيل.