إن من الجناية على الحق والافتراء على التاريخ أن يقول قائل إن الإسلام قد انتشر بالسيف! أي سيف كان يحمله محمد، وهو الأعزل الذي لا حول له ولا قوة، الوحيد الذي لا ناصر له ولا معين، يناله السفهاء بالأذى فلا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ويأتمر به قومه ليقتلوه فيفر بحياته إلى يثرب؟. . .
لقد ظل محمد - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يكن له من سلاح غير ثقته بالله وإيمانه بأنه على حق، ولقد لاقى هو وأصحابه في سبيل هذه الدعوة من ضروب الفتنة والاضطهاد ما لا يثبت عليه إلا الذين عمرت قلوبهم بالإيمان، واستيقنت أنفسهم من نصر الله!
كان الرسول يوماً يصلي في الكعبة، وبينما هو ساجد إذا بعقبة بن أبي معيط، يطأ عنقه الشريف حتى كادت عيناه تبرزان. . .
وخنقه بردائه خنقاً شديداً، والناس من حوله شامتون، حتى أقبل أبو بكر مشتداً وخلص الرسول منه وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟
ولما خرج إلى الطائف يدعو أهلها للإسلام، أغروا به سفهاءهم فترصدوا له بالطريق وأخذوا يحصبونه بالحجارة حتى تخضبت قدماه بالدماء!
ولما أبى عمه أبو طالب أن يسلمه إليهم ليقتلوه تعاهدوا على مقاطعة أوليائه من بني هاشم، ودامت هذه المقاطعة ثلاثة سنين لقي فيها هذا البيت الكريم من العنت والإرهاق أعظم البلاء. . .
وعذب عمار بن ياسر وأهله عذاباً شديداً، فكان الرسول يمر بهم وهم في العذاب ويقول: صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة!
ومن ذلك أن أبا جهل طعن سمية أم عمار بحربة فقضى عليها فشكا عمار ذلك إلى الرسول قائلاً: يا رسول الله، بلغ منا العذاب كل مبلغ! فقال صلى الله عليه وسلم:(اصبر أبا اليقظان، اللهم لا تعذب من آل ياسر أحداً بالنار!)