وإن منظرته لتحفل بالأضياف في الشتاء وتذكو في موقدها جمرات الأثل ويشرق من سقفها على الجالسين نور جميل يرسله مصباح في (فانوس) من الزجاج الملون. وفيها يشيع صوته الحلو الحنون يردد آي القرآن أو فقرات الحديث، وأصوات الأضياف ترتفع بتلك الجملة الأبدية: صدق الله العظيم. . . صلى الله عليه وسلم!
فأذا ما حل الصيف أنتقل المجلس إلى (المصطبة) المستندة إلى واجهة الدار حيث يحلو السمر تحت ضوء القمر، وحيث جرت العادة أن تعقد حفلات الذكر والختان، وحيث كان أصحاب الربابة والمزمار. ومنشدو أبي زيد، والقصاصون يجلسون فيطربون حلقة المستمعين من شيب وشبان، وسيدات جالسات، خلف الأبواب ووراء النوافذ.
لم تكن للشيخ ياقوت هذه المكانة في أول الأمر. كان في المبدأ مأذوناً للقرية. فاذا ما كان يوم الجمعة واجتمع الناس في المسجد وعظهم بلسان فصيح وكلمات زاجرات، وأراهم الطريق إلى الجنة ورغبهم فيها، والطريق إلى النار وحذرهم منها. . . فإذا ما انتهت الصلاة تقدم إليه الجمع يستفتيه في أمور الدين والدنيا ويستلهمه النصح والإرشاد.
ولقد أهم الشيخ ياقوت ضيق رزقه وقلة ما تجديه عليه وظيفته فتفتق ذهنه عن فكرة صائبة. وسرعان ما ظهر في القرية دكان مزين الجدران ترتفع فوق بابه لوحة كتب عليها