(مهداة إلى الأستاذ ضياء الدخيلي، لمناسبة ما كتبه من أبحاث قيمة عن الفتوة في الإسلام وفي كتب اللغة والأدب وحياة الفتيان في الجاهلية والاسلام؛ أوحت إلى كتابة هذا المقال) ع. ع
الفتوة: فعولة من لفظ فتى، كالإنسانية من الإنسان والمروءة من المرء، والفتى هو الشاب حدث السن، قال الله سبحانه وتعالى عن يوسف عليه السلام (ودخل معه السجن (فتيان) - وقال (لفتيانه)) وقال عن قوم إبراهيم عليه السلام إنهم (قالوا سمعنا (فتى) يذكرهم يقال له إبراهيم) وقال عن أهل الكهف (إنهم (فتية) آمنوا بربهم) من هذا نرى أن الفتى أسم لا يشعر بمدح أو ذم كالشاب والحدث.
وللصوفيين رأيهم في الفتوة كما لغيرهم من اللغويين والأدباء والشعراء آراؤهم، وكل يستعملها حسب هواه، ويلبسها الثوب الذي يعجبه ويهواه، فهم يستعملونها فيما يوافق تعاليمهم ويساير مذاهبهم، في معاملة العبد لنفسه وصلته بغيره من الناس وصلته بخالقه جل شأنه، وقد اصطلحوا على أنها منزلة من منازل الإحسان إلى الخلق، وكف الأذى عن الغير، والصير على ما يصدر منهم من أذى وسوء فعل، وأنها الطريق الموصل إلى الذات العلية والحضرة الربانية، وأنها نوع من أنواع المروءة: والمروءة ترك العبد ما يشين أخلاقه أو يعود بالضرر على سواه، والتحلي بمحاسن الأخلاق وحميد الصفات وكريم السجايا. فالفتوة عندهم كما قال قائلهم (الفتوة أن يكون المرء أيدا في أمر غيره) وهم يجعلونها منازل ودرجات كالأكثرية من تعاليمهم، فهي عندهم ثلاث منازل أو ثلاث درجات.
المنزلة الأولى، وتخص معاملة المرء لنفسه دون غيرها، فيلزم من يتجلى بصفة الفتوة، أن يترك الخصومة فلا يخاصم أحداً من عباد الله، ولا يجعل نفسه خصماً لأحد سواها، فهي خصمه الذي يجب عليه أن يخصمه بالمخاصمة ويقف منه موقف الحذر والترقب ولا يجعل لها سلطاناً عليه ولا يتبع هواها، لينجو من سوء ما تأمر به وعاقبه ما تسول له. وفي ذلك قال بعضهم: (الفتوة أن لا ترى لنفسك فضلا على غيرك، وأن لا تتخذ لك عدواً