للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المعاملات في الإسلام]

للأستاذ محمد بهجة البيطار

طالعت في الرسالة الغراء سؤال الأستاذ الطنطاوي الذي وجهه إلى (المفكرين) من علماء المسلمين، ودعاهم فيه إلى النظر في مطالب هذا الزمن المنوعة، ومشاكل المسلمين الكثيرة التي أوقعتهم في بحران من الاضطراب عظيم، وسلكت بهم في سبيل النجاة منه طرائق قدداً. وقد بنى سؤاله على أصلين ثابتين، (أولهما) أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، (وثانيهما) أنه يجعل من المتمسكين به أرقى مجموعة بشرية في العلم والقوة والمال والحضارة، (قال): فكيف يتفق مع هذين الأصلين وجود أحكام في الفقه لا تصلح لهذا الزمن، وأحكام تجعل المسلمين دون الأمم الأخرى في مرافق الحياة؟ وضرب لذلك الأمثال من كتب الفقهاء المتأخرين، ومما وضعوه من شروط وقيود، لبعض البيوع والعقود، يتعذر تطبيقها على كثير من المعاملات في هذا العصر، وعلى ما جرى عليه عرف الناس في التجارات الواسعة؛ وأبدى إعجابه بالفقهاء المتقدمين الذي درسوا وقائع أزمانهم، وطبقوا عليها الأحكام، وفرضوا الفروض وبحثوا عن أحكامها (وهذا مما عابه السلف الذين كانوا يفتون بالواقع، ويمسكون عن القول بما لم يقع إلى زمان وقوعه، لتكون الفتاوى مطبقة على الزمان والمكان والأحوال والأشخاص) ونعى على بعض المتفقهة المتأخرين جمودهم على الفقه الموضوع للقرن التاسع والعاشر، وأثنى على الأستاذ المحدث المحقق الشيخ احمد شاكر فيما كتبه في مسائل الطلاق، وقال: فمتى يعمد العلماء إلى الكتابة

أقول: لاشك أن واجب العلماء هو مواجهه الحقائق التي ظهرت في هذا العصر وبيان الحكم في استعمال جميع ما استحدث من المخترعات إلى اليوم، على قاعدة جلب المصالح للأمة ودرء المفاسد عنها، أي أن تكون فتاوى العلماء الواقفين على أسرار التشريع، وكنه الزمن، وحاجة الأمة - هادية إلى حفظ وحدتها وتنمية ثروتها، وحماية حوزتها، ودفع عوادي الشر عنها، مع إثبات أن ذلك هو الذي يقتضيه هدى الإسلام، وترشد إليه آيات القرآن، وأن المسلمين هم أولى بالمسابقة والسبق في هذا المضمار، فاستثارة دفائن الأرض مثلاً، واستخراج كنوزها ومعادنها، وعلم الزراعة، وفن الري، وإقامة الجسور والمعابر، وتشييد الدور والقصور، وإنشاء السكك الحديدية، والحصون والقلاع، هو عين ما يذكره

<<  <  ج:
ص:  >  >>