للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التبعة الأدبية]

للدكتور حسن صادق

سنبين في هذه الكلمة تبعة الشعراء والكتاب التي يحملونها أمام التاريخ وتثقل على أسمائهم وشهرتم عند مؤرخي الأدب وتطوره، إذا أنتجت أعمالهم الأدبية حالة من الاضطراب العقلي والقلق النفسي بين شباب الأجيال المتعاقبة

وقد يقول قائل إن من ينسب إلى مصنفي الكتب مثل هذه التبعة الخطيرة، إنما يجعل للأدب قيمة أكبر وأعظم من قيمة الدور الحقيقي الذي يقوم به في حياة الأفراد والشعوب. ولكننا نجيب على هذا الاعتراض بأن الطريق الوحيدة التي نملكها لحفظ كنز الإنسانية الأدبي ونقله من جيل إلى جيل، من فجر العصور التاريخية إلى اليوم، هي الكتب؛ وكل ما نعرفه عن العصور الماضية البعيدة لم نصل إليه إلا بأعمال الكتاب. وفضلاً عن ذلك فإن الدراسة المضنية التي يقوم بها الأساتذة أثناء الأعوام الطوال في معهد العلم المختلفة، ليست إلا شرحاً وتفسيراً لأعمال مكتوبة

وينتج عن ذلك أن الحضارة والأدب أمران متعاونان لا ينفصلان، وأن أحدهما بغير الآخر لن يكون إلا التكرار المستمر لوقائع ومذاهب ونظريات بعينها، بدون أية مقارنة ممكنة بين الماضي والحاضر. وما دام هذا هو اعتبار مهمة الكتابة فأن من السهل تصور التعبئة الهائلة الملقاة على عاتق الذين يدونون أفكارهم وينشرونها بين الناس

إن الروح السائد بيننا الآن، قد كونه الشعراء والكتاب والمؤرخون والفلاسفة الذين يتحدثون إلينا بوساطة كتبهم منذ آلاف السنين؛ وسيتأثر من غير شك روح الأجيال القادمة بما نكتب اليوم أو ببعضه على الأقل، ومن أجل ذلك يشعر الإنسان بشيء من الانفعال المستبهم كلما نشر كتاب جديد، لأنه يجهل مبلغ الخير أو الشر الذي ينتجه الكتاب خلال سير الإنسانية.

وليست أنواع الكتب جميعاً متساوية فيما تنتج من الأثر، ولكن أعظمها سلطاناً على النفس وأشدها خطراً وأقواها بأساً هي الكتب التي مصدرها الخيال، أو ما يصح أن يطلق عليها الكتب الشعرية

وفي الحق أنى الكتب الغزيرة المادة التي تدل على التبحر وتتطلب الجدال والمناقشة، أو التي تثبت آراء وأفكاراً وأسس تفندها وتهدمها، سواء أكان موضوعها التأريخ أم الفلسفة أم

<<  <  ج:
ص:  >  >>