السلام على سيدي العلامة الأستاذ الكبير الكريم ورحمة الله وبركاته. . . وبعد، فرأى الأستاذ - أدام الله نفع الناس بطول بقائه - في أمر (الإرسال) هو الأعلى؛ ولا ريب في أن إرسال الريح الصرصر والحاصب والصيحة والعذاب - تسليط وعقاب، وكذلك إرسال الكلب والصقر على الصيد (المسكين) عند أبي العلاء والبراهمة والمنصفين من الآدميين. . . غير أن هذا الضعيف لا يرى في الإرسال إلا معناه الظاهر أي ضد الإمساك (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له)؛ ويرى التوجيه مثل الإرسال (وجه إليه كذا أرسله)، كما في اللسان (وجهه في حاجته توجيهاً أرسله فتوجه جهة كذا) كما في التاج؛ وترسل النعم (يرسل السماء عليكم مدراراً) كما ترسل النقم (ويرسل عليها حساباً) قال الراغب في (المفردات): (الإرسال يقال في الإنسان وفي الأشياء المحبوبة والمكروهة)، فتختلف الإرسالات كما يختلف المرسلون والمرسلات. . . والإرسال حقيقة كما روى الأستاذ عن الأساس:(أرسل كلبه وصقره على الصيد) ومجاز كما روى - أيده الله - عن ذلك الكتاب (أرسل الله عليهم العذاب)
والآية الكريمة التي استشهد بها التاج - ناقلاً من اللسان؛ والتسليط قول الزجاج - وأوردها الأستاذ فيما روى من كلامه وهي:(ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً) وقد تشعبت في معنى الإرسال فيها أقوال لغويين ومفسرين - والأستاذ أعلم مني بذلك - والإمام ابن جرير يقول في تفسيره:(يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تريا محمد أنا أرسلنا الشياطين على أهل الكفر بالله تؤزهم، يقول: تحركهم بالإغواء والإضلال، فتزعجهم إلى معاصي الله وتغريهم بها حتى يواقعوها. أزا: إزعاجاً وإغواء)
ولو لم يوجه الله الشيطان إليهم أو يسلطهم عليهم أو يخل بينهم وبينهم لطاروا إليهم من تلقاء أنفسهم، لأن عملهم في هذا الدنيا - وهذا (قضاء من الله العزيز أراده) - إضلال الكافرين وغير الكافرين وإفساد جميع الأناسين (إلا عباد الله المخلصين)
وأرسل في ختام هذا الكلام إلى سيدي العلامة الأستاذ الكبير الكريم - مد الله في عمره - خير تحياتي