. . . وبعد فلست حائراً معك حيرتك مع الأنات أو حيرة الأنات معك، أو حيرة الناس من هذه الأنات، فلقد رأيتك بالأمس في الأمر باكياً، وسمعتك اليوم في هذا الأمر ناعياً، وأشهد أني أعهدك في كليهما شاعراً شادياً
إنك عاطفي رفيع، وإنك عاطفي عميق، ولا أقول قد تظهر منك العاطفة وتختفي، ولا أقول هي قد تثور أو قد ترعوى، فإن العاطفة عندك هي منك، وهي قائمة عند المحراب تصلي دائماً
ولقد حزنت عندما وصلتني أناتك، ثم (فرحت) بها لذاتها كما فرحت بها لأنها منك
أخذت أهمس لنفسي مترنما، وحيداً صامتاً، وأحيي بها الحزن صباحا ومغرباً، وستبقى معي آمنة في مكانها الحبيب كما سيبقى رنينها عالياً داوياً - وهكذا في الوقت الذي تبقى كامنة ساكنه هي في الحق ثائرة فائرة. . .
إن مستودعها عندي، رغم جرمه الصغير، واسع كبير يملأ الدنيا حباً، وتملؤه الدنيا تعباً. . .
ولما آنستني (الأنات الحائرة) غير حائرة، ونزلت عندي قادمة راغبة، أقبلت عليها راضياً شاكراً، ثم معها راشد شارداً. . .
وإذا أنا قد تأخرت في النداء فلست مقصراً ولا عامداً ولكنها موجة الأسى تملكت النفس بالهوى والقلب بالجوى فاستكانت الروح نائمة ثم استيقظت على الصوت الذي أبعث اليوم إليك مناجياً. . .
وإن لي من الأصدقاء من هم أهل العاطفة الباكية الشاكية وحملة القلوب الحائرة الثابتة، فذكرتني أناتك بهم كما ذكرتهم بها لأنها إبداع مثل إبداعهم وعواطف من طراز عواطفهم
ذهبت إلى (جوتيه) شاعر الألمان، فإذا به يعجب ويقول وحيد!! لا. لست أنا وحيداً. . . إنني أعيش مع الذكريات والصور العزيزة المحبوبة. . .
ثم التفت إلى كاتب الفرنسيس (أناتول فرانس)، فإذا به يقول وكأنه يرد على صاحبه - مهما حاول المرء فإنه دائماً وحيد في هذا العالم. . .