تتداعى البيوت الكثيرة في كل زمان وفي كل مكان، فلا يسمع بها إلا الجيران، وان تضمّن سقوطها قتل الأنفس والتمثيل بالابدان، فقد يخرج خبرها عن دائرة الجيرة إلى دائرة المدينة وقلما يتعدى حدود القطر والأمة. ولكن بيتاً في مدينة (برانتفورد) بكندا همّ بالسجود أو كاد، أو خيل أنه نوى الصلاة أو أوشك أن ينويها، فاهتزت أسلاك العالم تُبرق بالنبأ إلى أدانيه وأقاصيه، وحظ البيوت كحظ الرجال، رجل يمرض فيموت فلا يجد من يلف عليه كفناً، أو يستر له في التراب شلوا، ورجل يمرض فيتأوّه خفيفاً، فتتردد آهته عاليةً في كل بوق من أبواق الإذاعة، ويتأوه معه العالمون.
على انه لا بدع أن تعطف الأسلاك البرقية على هذا البيت، وان تضطرب باضطرابه، فهو بيت أسرتها العتيق، مسقط رأسها ومهد طفولتها , وفيه وفي المدينة التي حوله كان لعبها ولهو صباها. ذلك البيت هو بيت (جراهام بل) الذي فيه وُلد أول تلفون عرفه الناس، وفيه امتد أول سلك بأول صوت لإنسان.
شكا هذا البيتُ العتيق الأرض التي حملته نصف قرن، لا عن نكران ولا جحود، ولكنه إلفُ هذا الهواء. . . فلم يكد ينطق بالشكاة حتى أشكاه أهله، فامتدت إليه أيد حريصة تنقله حجرا حجرا برسمه ووضعُه، إلى أرض أشدّ، ومنزلٍ آمن
ولد اسكندر جراهام بل عام ١٨٤٧ في أدنبره عاصمة اسكتلانده، وتعلم في جامعتها، ثم انتقل إلى جامعة لندن ودرس فيها، ثم ساءت صحته فطلب العافية، فنزح مع أبيه إلى كندا عام ١٨٧٠. ثم انتقل بعد ذلك إلى (بُسنن) بالولايات المتحدة ولم يكن اختراعه التلفون اتفاقه من اتفاقات الحظ المجدود ورمية من غير رام، وإنما كان نتاج دراسة طويلة منظمة وبحث دقيق وصبر شديد. كان أبوه عالماً في السمْعيَّات، فاشترك الاثنان في دراسة الطريقة التي بها ينتج الكلام من فم الإنسان، وفي النغمات الموسيقية للأحبال الصوتية التي بحلقه، وفي مخارج الحروف والأصوات في مختلف اللغات، وفتج الابن مدرسة لتخريج معلمين يعلمون الصمَّ الكلام، وكان دَرَس الكهرباء، واتصل بالفزيائي العالم (هِلْمهولتز)