إلى حياة روحية تسمو بالنفس، وتضيء القلب، وتهذب العواطف، وتحد من النزعات والأهواء، وتصل أسبابنا بالسماء. . هذا هو ما يدعو إليه هيكل ويحبذه، بعد أن شهد ما شهد من مظاهر الحياة الروحية من آثار النبي العربي، ورأى كيف يفعل الإيمان الأعاجيب في مواطن لولاه ما كان للإنسان بها طاقة؛ ويعجب هيكل من الذين ينكرون الحياة الروحية ويتنكبون طريقها، ويسأل في تعجب واستنكار فيقول:(فما بال قوم في عصور وبلاد مختلفة جحدوا الحياة الروحية وكفروا بفضل الإيمان؟!) ثم يمضي هيكل ينعى على الماديين هذا الجحود لتلك الحياة، ويرده إلى خطأهم في فهم الحياة الروحية على حقيقتها، وتصويرهم لها تصويراً بعيداً عن الفهم والواقع، فهم يحسبونها خارجة على نطاق العقل، لا تخضع لقوانين العلم في تعليل الظواهر والمظاهر، مع أن سبيل الحياة الروحية الصميمة إنما هو الإحاطة بالعلم في أحدث ما وصل إليه، واتخاذه وسيلة للنظر في آيات الله وهي لا تنكر العقل إلا إذا قيد النظر وقُيد العقل معه، ومن ثم كان الجمود عدواً للحياة الروحية، ثم يلمع هيكل إلى الغاية من الحياة الروحية وصلتها بالنفوس فيقول:(والناس يستجيبون بطبيعتهم إلى الدعوة الروحية لأنهم يبغون الحق بفطرتهم، ولولا ما يمد لهم فيه دعاة المادة من أسباب الضلال إذ يغزونهم بمتع الحياة ولذاتها لانهارت فوراق كثيرة ليس يبقيها إلا هذا الضلال ولتقاربت الأمم بدل أن تتباعد، ولأخلصت القصد في سعيها إلى السلام بدل أن تجعل من نذر الحرب هياكل عبادتها، ولكانت خطا الإنسانية في سبيل التقدم ناحية الكمال أسرع وأهدى سبيلاً، ولو أن الناس لم يتنكبوا طريق الهدى لنعموا اليوم بما يلتمسونه من سعادة، ولعلهم تنكبوا هذا الطريق لأنهم بعد في جهالتهم، ولأن ما بلغوا من العلم لا يزال قاصراً دون هداهم والعلم الناقص داعية الضلال!)