أقول (الجديدة) وأنا أعلم أن بين هذه الصفة. بين وزارة الأوقاف نفوراً لا يزول إلا بمعجزة! فهل تمت المعجزة؟ أم لا تزال الوزارة القديمة قائمة في مكانها الأثري كالدير العتيق أو كالطلل الموحش تروع النفس القوية بمسالكها الضيقة المظلمة، ومكاتبها الصامتة الرهيبة، وأضابيرها المكتظة البالية، فكأنما يجول الزائر فيها بين أجداث وأضرحة
وليست الأضرحة بالكلمة الغريبة عن لغة الأوقاف؛ فهنالك الوقفيات بشروطها العجيبة، والتصرفات بوجوهها المريبة، والأنظمة التي تعقد البسيط وتعوق السريع وتصعب السهل! وهنالك القضايا التي تماطل الحق، والشكاوي التي تنتظر العدالة، والحقوق التي تنكر المستحقين؛ وكلها راقدة في نواويسها الكرتونية رقود البلى لا تسمع دعاء الناس ولا تحس مرور الزمن!
نعم لا تزال الأوقاف القديمة تمثالاً للصدقات الجاريات والصالحات الباقيات والبر بأسمى معانيه؛ ولكن التمثال على كل حال تمثال. كل ما فيه معان من الخير نبض من جسد أصم. أما وزارة الأوقاف الجديدة أو المرجوة فهي في درج الوزير المصلح عبد الحميد عبد الحق؛ وأما المعجزة التي ستؤلف بين الجدة والأوقاف فهي عزيمة الشاب العامل عبد الحميد عبد الحق! والرجل الذي استطاع أن يجعل من العدم وجوداً في وزارة الشؤون، يستطيع أن يجعل من الفساد صلاحاً في وزارة الأوقاف. على أن الذين يعرفون في الأوقاف تلك الصخور التي. أدمت أيدي المصلحين وفلت معاول الإصلاح يقولون إن العمل هنا يختلف عن العمل هناك. كانت وزارة الشؤون أحاديث منى وأساليب بلاغة، فجعلها بثاقب رأيه وصادق عزمه حركة تجديد ونهضة إصلاح. والبناء على الجدد أسرع من البناء على الأنقاض، والتعمير الحر أسهل من الترميم المقيد. أما الأوقاف فهي أحد القروح الثلاثة التي أعضلت الأساة وظلت الدهر الطويل تمج الصديد وتوهم الجلاء أنه من الدين. ولكن المحاكم الشرعية بسبيل النهوض، والأزهر الشريف بسبيل اليقظة، فلم يبق غير هذا القرح مضموم الفم على الفساد ونغل. وقد بلغ من سوء القيام على شؤون الأوقاف أنك لا تكاد تجد في مصر كلها بائساً في بيت كريم إلا من مستحقي الأوقاف، ولا خربة في مكان (صقع) إلا من أملاك الأوقاف. وكان السفهاء من الأجانب يرجعون عيوب هذه المؤسسات الثلاث إلى الطبيعة الإسلام وهو الذي نشر العلم ورقاه، ومدن العالم وحرره.