أستهل عام (الرسالة) الخامس والدنيا في بلاد الرسالة تلقى بسمعها إلى دعاء الوحي من جديد. فالعقول التي كبلتها أغلال الجهل تتحرر، والنفوس التي دنستها أرجاس الذل تتطهر، والعزائم التي طالما استنامت لسلطان القوة تستفيق! كأنما ارتد إشراق الروح إلى مطالعه بعد أن اضطرب في الضباب والسحاب عشرة قرون! هذه مصر والعراق وسورية وأكثر أمم الشرق تنبثق في أجوائها وأرجائها أشعة الشمس الصحراوية الأولى، فتنعش ما خمد من غرائز الرجولة، وتحي ما همد من نوازع المجد، وتقتل ما عاث من جراثيم البلى، وتهدي من ضل إلى سواء المحجة؛ بينما أمم الغرب يغيم عليها الأفق، فتدفع بالسلام إلى الحرب، وتلقي بالحياة إلى الموت، لأن حضارتها الحديدية علمتها كيف تهدم، ولم تعلمها كيف تبني! فالمصري أو العربي أو الشرقي يعلم أنه كان يناضل عن ذاتيته، فلما أستردها عاد يناضل عن إنسانيته؛ وسلاحه في كفاح البربرية اليوم، هو كسلاحه في كفاحها أمس: قوة صارمة تعتمد على العدل، وثقافة عاملة تستند إلى الروح، وسياسة جامعة تقوم على المحبة. ومحال على ابن الرسالة والنور أن يرى مخلفات العقل والقلب تتهاوى في العدم ثم لا ينهض!
أستهل عام (الرسالة) الخامس ومصر وأخواتها على باب عهد جديد؛ فالنوايا معقودة على تغيير الحال، والميول متجهة إلى طريق الكمال، والآمال معلقة على الثقة بالله؛ ولكل حال مقتضى، ولكل عهد رسالة، ولكل قوم أدب. وسبيل القلم أن يدخل في عُدد هذه النهضة دخول الآلة والمدفع: ينتج إنتاج الخير كتلك، ويدافع دفاع الحق كهذا، ثم ينفرد هو بالوساطة بين الروح والجسم، والسفارة بين السماء والأرض. ولقد كان لأدبنا في أمسه الدابر ذبذبة بين الشرق والغرب، فلا إلينا ولا إليهم. وتلك حال كانت لازمة لما نحن فيه لزوم النتيجة المحتومة؛ فإذا أحس الفنان مظاهر الاستقلال والاستقرار في الوطن والحكم والرأي والعقيدة والعزيمة، كان حريا بفنه أن يستقل، وبذهنه أن يبتكر. (والرسالة) ترجو أن تحمل بعون الله دعوة العقول الخصيبة إلى هذه الأمة النجيبة. وستظل تنقل خطاها الوئيدة السديدة المتزنة على ما رسمته لها كرامة الجنس وطبيعة البيئة وحاجة الثقافة؛ لا تتخذ لهوالحديث، ولا تصطنع خوادع الحس، ولا تتملق شهوات الأنفس. وأصدقاؤها - والحمد لله والشكر لهم - لبسوها على هذه الخشونة، فلا يريدون أن تخطر في وشي، ولا