للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكرى عالم مصلح]

محمد رشيد رضا

لصاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الجليل عيسى

في أواخر العقد التاسع من القرن الثالث عشر الهجري وفد على مصر رجل عظيم، ومصلح كبير، هو السيد جمال الدين الأفغاني، وسرعان ما ألتف حوله عدد كبير من رجالات مصر وشبابها على اختلاف درجات ذكائهم وتباين ثقافاتهم، فصار ينفخ فيهم من روح اليقظة والحمية الإسلامية، والعزة والكرامة ما فتح عيوناً عمياً، وآذاناً صماً، مما اعتبره الباحثون عود ثقاب أشعل به ناراً على المستعمرين والظالمين.

وكان من بين رواد مجالسه الطالب النابغة الشيخ محمد عبدة الأزهري، فلم يكد يتصل بالسيد جمال الدين الأفغاني. حتى ألهب منه استعداداً للثورة على القديم البالي، وأيقظ فيه طموحاً إلى الحرية والاستقلال، فأطلق عقله من عقال كاد يقضي عليه كما قضي على كثيرين من رجالات الأزهر وشبابه الذين لم تتح لهم فرصة الاتصال بمثل هذا المصلح الكبير، أو لم يهيئهم استعدادهم للانتفاعبهذه المبادئ السامية.

لازم الشيخ محمد عبدة الرجل العظيم ثماني سنوات كاملة (وهي المدة التي أقامها السيد جمال الدين في مصر) إلى أن غادر البلاد سنة ١٢٩٦ هجرية إلى الهند، وأخذ يطوف في العالم مطارداً من قطر إلى قطر حتى استقر به المقام في الآستانة حيث وافته منيته سنة ١٣١٤ هجرية.

وكان لتعاليم الأستاذ السيد جمال الدين الأثر الكبير في نفس الشيخ محمد عبده فلم تهدأ ثورته، ولم يخفه نفي أستاذه، بل أزكى فيه روح الثورة والخروج على كل مبدأ ظالم إلى أن نفي هو أيضاً. وبعد مضى ست سنوات عليه منفياً رجع إلى مصر.

وكان بعد رجوعه من منفاه أشد ثورة من ذي قبل، فأخذ يؤدي رسالة إصلاحه في الأزهر، وفي خارج الأزهر بجرأة وشجاعة، أزكاهما النفي والتشريد، وكان أوسع ميادين جهاده دروسه التي كان يلقيها في الأزهر على كبار الطلاب والنابهين من رجالات مصر الذين أشربوا حب الحرية والاستقلال.

وفي هذا الوقت، في سنة ١٣١٥ وفد على مصر شاب لبناني من (القلمون) إحدى قرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>