إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي
كان أقل مزايا الشيخ بدر الدين الحسني أنه يحفظ صحيحي البخاري ومسلم بأسانيدهما، وموطأ مالك، ومسند أحمد، وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي وأبن ماجة، ويروي لك منها ما تشاء كأنه ينظر في كتاب؛ وأنه يحفظ أسماء رجال الحديث وما قيل فيهم، وسني وفاتهم، ويجيبك عما شئته منها، وأنه يحفظ عشرين ألف بيت من متون العلوم المختلفة كالألفية والزبد والشاطبية والطيبة الخ. . . وأنه ألف نحواً من خمسين مؤلفاً قبل أن يتجاوز عمره الثلاثين؛ وأن له إطلاعاً في كافة العلوم حتى الرضيات العالية فقد أقرأها لطلاب شعبة الرياضيات في المدرسة التجهيزية فأدهشهم وأدهش بإطلاعه معلميهم؛ وأنه ما انقطع عن الدرس والتدريس يوماً واحداً منذ سبعين سنة على زهادة عجيبة، وورع نادر، وترفع عن الدنيا ولذاذاتها مع الغنى الواسع والمال الكثير، وهو على الجملة آخر علماء السلف الصالح رضي الله عنهم
مر على دمشق في هذه السنين العشرين، من جليل الحوادث وفادح الخطوب، ما لو مر على الشامخات الرواسي لجعلها دكاً، أو وقع على الجلاميد الصم لصيرها هباء. فأعدت له الإيمان الذي لا يزلزله رزء، والثبات الذي لا تزيله مصيبة، وصبرت عليه (صبر العظيم على العظيم). . . . حتى تعودت مس الضر، وألفت قوارع الدهر
(وصارت أن أصابتها) سهام ... تكسرت النِّصال على النصال
وغدا أبناؤها لطول ما رأوا من البلاء، وما راضوا نفوسهم عليه من الصبر، لا يألمون لمصيبة، ولا يجزعون لنائبة، ويهتفون بالزمان كلما تعب من مساءتهم، فأقلع عن إيذائهم:
إن كان عندك يا زمان مصيبة ... مما تسوء به الكرام فهاتها