طالما تردد على أسماعنا أن العالم إذا ابتلى بحرب عالمية جديدة فمعنى هذه الحرب القضاء على المدنية. وقد يبدو هذا الكلام صحيحاً، وقد ينفعنا لتذكير بعض الناس بأن الحرب لم تعد ذلك الحادث الخيالي الذي يسمعون به من بعيد. ولكن هذا القول في الحقيقة لا يحمل نصيباً من الصحة. وهو في نظري قول بعيد كل البعد عن الصواب، فأنا لا أستطيع أن أتصور أن العالم أجمع يتفانى في هذه الحرب
فمن المحتمل كثيراً إذا وقعت الحرب أن تترك ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا للخراب والإفلاس. ولكن من الخطأ أن نظن المدنية متاعاً موروثاً لتلك الدول فيقضي عليها إذا حل بها الدمار. فهذا قول ظاهر البطلان
إنني أرى مجرى المدنية يتحول عن أوربا الغربية. وأتوقع أنه إذا جاء مؤرخ بعد بضع مئات من السنين ليؤرخ هذه الفترة من الزمن، ويسجل التقدم الذي أحرزه العالم فيها سوف لا يقول إذن ماذا كانت تفعل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا
إنني أعتقد أنه سوف يرى بغير غموض أن حركة التقدم التي شملت العالم الحديث في هذا القرن، قد انتقلت من الأمم المعروفة بالأمم الصغيرة في هذا العصر إلى الأمم العظمى، ومن سكان الجزر الصغيرة إلى سكان القارات والممالك الكبيرة
ولمعرفة ذلك يجب ألا ننظر إلى ما تم وانتهى ولكن إلى ما يتم. مما لاشك فيه أن انتشار التعليم من أقوى الدلائل على هذه المدنية الجديدة. فحيثما يحل العلم محل الجهل، تقوم دعائم المدنية
إنني حينما أسمع كلمة انتهاء المدنية يتجه نظري حول العالم أجمع فأتذكر تلك الجامعات والكليات التي عمرت بها أوربا الوسطى وقد كنت أحاضر بها في الخريف الحالي. كم من أمثال هذه الجامعات في العالم؟!
قد يكون من السهل نقد نظام التعليم في تلك الجامعات التي أشير إليها. وقد نستطيع أن نقول إنه سيمضي زمن طويل حتى تكون كجامعات كمبردج واكسفورد وقد نجد الحجة