سألت وأنا أجول في صحن الجامع الأزهر عن الشيخ الصعيدي. قلت لعلي أجده تحت رواق من الأورقة التي علت، فأظلت. فدللت على مكانه البعيد، لا في الصعيد. ولكن في كلية اللغة العربية. وكنت أذكر أن أحد عشاق الأسفار من الغربيين كان يقول: من زار باريس فليكتف منها بأن يرى برج إيفل والمسيو أندريه تارديو. وقد مر بالخاطر هذا القول وأنا أبحث في مصر عن الأزهر الذي رأيته كثيراً قبل أن أراه.
كنت وأنا أجوس خلال الصحن أتمثل حلقات الدرس التي لم يبق منها إلا الفلول، فلقد انتقل التعليم من فناء الأزهر فوق الحصير إلى أبنية شيدت بحديد يجلس فيها التلاميذ أهل العمائم والجيب على مقاعد مرصوفة كالتي في المعاهد المتحضرة. ثم لا ضير عليهم أن يبدؤوا علم الأزهر مع حفظ الكافية والأجرومية بشيء من الفرنسية والإنكليزية، وأن يؤلفوا بين الفقه والأصول بضرب من الكيمياء والكهرباء.
وقد لقيت الشيخ بعد لأي في دار من دور الطباعة فأذكرني لقاؤه بموعظة نطق بها ابن المقفع وهي قوله: لا يجعل بالمرء أن يرى إلا مع النساك متعبداً أو مع العلماء جاهداً. وقد لقيت هذا العالم الأزهري العظيم حيث يجمل أن يكون اللقاء بمثله.
بدأ طوالا عريض المنكبين متسق الوجه. ولو أن للمعرفة أشعة لحسبتها تتلألأ في عينيه. واليوم وأنا أتحدث عن كتاب من أجل كتبه وهو القضايا الكبرى في الإسلام أعيد للبال سمته الجليل ومنظره الكريم خافقاً بعمامة وجبة يستدير عنقه فوق جلباب نقي سابغ.
والقضايا الكبرى اسم مر على أسلات الأفلام المعاصرة، فألف في بابه الأستاذ محمد عبد الله عنان كتاباً اسمه قضايا التاريخ الكبرى، جمع فيه كبريات من الحوادث في الشرق والغرب.
وكلا المصريين نال لما صنع المؤلفون الغربيون فقد ألف نقيب المحامين الفرنسيين الغابر