(الكلمة الأخيرة التي قالها خليل بيدس لشريكة حياته قبل أن
ينام ليظل نائماً، فلا يفيق من رقاده الأبدي)!
(نفسي حزينة حتى الموت)! ما أسمى نفسك هذه يا أبي؟ ما أنبل القلب الفياض بالعاطفة، المختلج بالشعور الهادئ الحزين الذي يستطيع وهو يعاني سكرات الموت ويشرب من كأس الحمام أن يعبر عن خلجاته بهذه الكلمات القليلة البسيطة؟!
ما أصفى هذه النفس الحزينة التي شاركت كل متألم ألمه، وعانت مع كل شقي لوعته، ورمضت مع كل من أرمضته البرحاء، وأثخنته ضربات الدهر بالجراح؟!
هكذا كان حزن نفسك وألمها! هكذا كانت تباريحك انعكاساً لتباريح البشرية، وصدى لبؤس الإنسانية، وصورة لما يعانيه إحساسك المرهف المصقول من شعور من يكون من المسئولين أمام الله للتخفيف من كروب الإنسانية وأوصابها!
كنت مملوءاً حياة، وكنت تحب الحياة وتحب كل ما هو حي، وكانت الحياة في نظرك هي الحركة والعمل، وكانت الحياة في ناموسك كل شيء جميل.
فالفن الجميل هو الحياة؛ والأدب الجميل هو الحياة؛ والإنسان الجميل في نفسه وقلبه وأخلاقه وأعماله وحزنه وألمه وفرحه وانشراحه، هو الحياة؛ وما عدا ذلك جميعاً فهو الموت والاندثار، وهو الفناء والزوال!
كنت تحب الحياة لأنك عشت في سبيل الحياة، وتفانيت من أجل الحياة، وجاهدت للإعلاء من شأن الحياة. . . والحياة من عمل الله وصنعه؛ والحياة هي الإنسانية التي أحببت والتي جاهدت من أجله وضحيت في سبيلها، لأنك أحببتها وأخلصت لها.
ما أرق هذا القلب المشبع بخوف الله، المستنير بهدى الله، العامل على خدمة الحياة التي خلقها الله!
ما أرق هذا القلب الذي شع نوراً ساطعاً ساحراً، وومضت فيه ومضات من القوة السماوية الكامنة فيه!