للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سليمان الحكيم]

لتوفيق الحكيم!

للأستاذ سيد قطب

(تتمة)

لو انتهت تمثيلية (سليمان الحكيم) عند الحد الذي وصلنا إليه آنفاً ما نقصت في نظرنا إلا القليل من وقعها النفسي، ومن أهدافها الإنسانية. ولكنها كانت تفقد - ولا شك - شيئاً من كمال الصناعة الفنية التي يبدو أن (توفيق الحكيم) يعني بها كل العناية، ولا سيما في هذه التمثيلية الأخيرة. فلما أن بدأ تمثيليته بالصياد والعفريت وجهاً لوجه ثم توسع فيها شيئاً فشيئاً في عرض الأشخاص وفي المجال الذي يعرضهم فيه، كان من كمال هذه الصناعة أن يضيق في مجال العرض وفي الأشخاص شيئاً فشيئاً حتى إذا وصل إلى النهاية كان على المسرح فقط الصياد والعفريت وجهاً لوجه كما بدآ، وكان أن يقذف العفريت القفاز فيلتقطه الصياد، وأن يعلنا ابتداء الحرب الأبدية بينهما بعد انتهاء الرواية الموضعية!

وتلك طريقة توفيق الحكيم المختارة في الصناعة الفنية وفي الأهداف الفلسفية على السواء، في جميع تمثيلياته الرمزية الفلسفية؛ أما التمثيليات والقصص الواقعية فلها نظام آخر وشأن آخر.

ولعله يحسن هنا أن أقول: إن توفيق الحكيم لم يحسم برأي في مشكلة من المشاكل التي أثارها في رمزياته جميعاً. (فشهريار) في نهاية (شهرزاد) ذهب إلى حيث لا يعلم أحد ولم يحل مشكلة القلق العقلي التي صارع من أجلها المكان والمحسوسات والأشياء! و (بيجماليون) مات وفي نيته أن يصنع في الفن ما لم يصنع وأن ينفذ الوحي الأخير الذي يموت كل فنان أصيل وهو في نفسه أمنية توسوس له في الخيال! و (أهل الكهف) فارقوا الحياة، وهم لا يدرون إن كانوا في حلم أم في حقيقة، ولم يدر القراء - ولا توفيق الحكيم نفسه - من المنتصر؟ القلب أم الزمن، والفناء أم الإنسان! وهاهو ذا الصياد والعفريت في (سليمان الحكيم) يعلنان الصراع الأبدي في اللحظة الأخيرة ثم يسدل الستار!

تلك طريقة (توفيق الحكيم) التي لا تتخلف. ومنشئوها - فيما أعتقد - طبيعة توفيق نفسها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>