من الحوادث التاريخية ما يبعث اللذة ويسلي في أوقات الفراغ. ونحن في درسنا للتاريخ نضيف إلى حياتنا اليومية ذكريات من الماضي تبعثنا إلى التأمل والمقايسة بين أمسنا وحاضرنا فيختار القارئ من هذه الصفحات ما تصبو إليه نفسه وما يسمو به عقله وما تنتعش به نفسه. وهذه صفحة من صفحات تاريخ الدولة العباسية التي شغلت العالم الشرقي والغربي قروناً كانت فيها أدوار عز وفخر. ولقد اخترنا لموضوعنا هذا ثلاث حفلات من أفخم الحفلات التي جرت في عهد بني العباس من أوائل أدواره وأوسطها وأواخرها فنقول: كانت أيام المأمون أيام عز وجاه ورغد ورخاء وتفوق وانتصار دونها المؤرخون بما فيها من الحلل القشيبة التي رفلت بها الدولة العباسية واعتزت أيما اعتزاز، حيث كانت مناراً للعلوم وينبوعاً للثروة والمال. فبذخ الخلفاء والأمراء وأصحاب المناصب العالية. وتخرقوا بما يفوق وصفه في كل حال من الأحوال. فكانت الحفلات والولائم والاحتفالات ذات مظهر فيه كل البذخ والإسراف يفوق ما يقوم به ملوك الأطراف تعزيزاً لهيبة الخلافة وعنواناً لسلطانها وجبروتها. ومن هذا ما جرى في حفلة زواج المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل الذي كان وزيره آنذاك. وهانحن أولاء نسرد ما جرى في تلك الحفلة التاريخية التي فاقت الحفلات التي تقام عادة بين الملوك والأمراء. وقد جرت تلك الحفلة في منازل الحسن بن سهل السرخسي التي كانت بفم الصلح بالقرب من مدينة واسط. وفم الصلح اسم نهر كبير كان فوق واسط بينها وبين جيُّل، عليه عدة قرى، وفيه كانت دار الحسن بن سهل وزير المأمون، وفيه بنى المأمون ببوران، تزوجها المأمون لمكانة أبيها عنده، واسمها الحقيقي خديجة، وبوران لقبها. احتفل أبوها وعمل من الولائم والأفراح ما لم يعهد مثله في عصر من عصور الجاهلية والإسلام. فقد سافر المأمون وحاشيته ورجال دولته من القواد والكتاب والوجوه إلى فم الصلح فنثر الحسن بن سهل بنادق المسك على رؤوسهم فيها رقاع بأسماء ضياع وأسماء جوار وصفات دواب وغير ذلك، فكانت البندقة إذا وقعت في يد الرجل فتحها فيقرأ ما في الرقعة، فإذا علم ما فيها مضى إلى الوكيل المرصد لذلك فيدفعها إليه ويتسلم ما فيها سواء كان ضيعة أو ملكا آخر أو فرساً أو جارية أو مملوكاً. ثم نثر بعد