ألمعنا في الكلمة السابقة إلى انتشار المسارح الشعبية الحرة في ألمانيا، وعرفنا ما يدخل في صناديق هذه المسارح من الإيراد الضخم بطريق الاشتراك بين الأعضاء، ويبلغ عددهم في أحد مسرحي برلين حوالي ستين ألفاً معظمهم من العمال! أي أن المبلغ المتحصل من الاشتراك فقط يربو على ثلاثة آلاف من الجنيهات شهرياً - إذ يدفع العضو شهرياً خمسة قروش أو نحوها - أضف إلى ذلك مثل هذا الإيراد من غير المشتركين، وأضف إليه أيضاً إعانة البلدية للمسرح؛ وقد عرفنا أن بلدية كولونيا تُعين مسرحها الشعبي بخمسة وعشرين ألفاً سنوياً، كما أن مدينة ثورن، أو بالأحرى قرية ثورن، تعين مسرحها الصغير المتواضع بألف جنيه كل عام. . . وقبل أن نتكلم عن المذهب يسود المسرح الألماني والذي ارتفع به إلى الأوج قبل قيام الاشتراكية الوطنية لا نرى محيصاً من الرجوع قليلاً. . . إلى ما قبل الحرب الكبرى، وربما إلى ما قبلها بخمسين سنة أو يزيد. . . إلى هذا الوقت الذي كانت فيه فينا - عاصمة النمسا - هي مركز المسرح الألماني العتيد، حينما كان الأدب المسرحي في شمال ألمانيا ما يزال في المهد، وما يزال أدباً رومانتيكيا (إبداعياً) يقصد به التلهي وإشباع غريزة التشوُّف الأدبي فحسب. . . وقد كنا نؤثر أن نرجع إلى أكثر من ذلك. . . إلى أيام عاهل الدرامة النمسوي الأكبر فرانز الذي بدأت تباشير عبقريته تظهر في مشارق القرن التاسع عشر، لولا ما ننتويه من إفراد فصول مستقلة لكتاب الدرامة في الأمم الأوربية المختلفة وذلك بعد الفراغ من هذا الاستعراض السريع لحالة المسرح الأوربي بعد الحرب الكبرى، والذي نريد به استخراج العبرة التي نهتدي بنورها في تشييد دعائم المسرح المصري وخلق العنصر المسرحي المنعدم في الأدب العربي
فحسبنا إذن أن نبدأ من تلك السنة اللامعة ذات البريق في التاريخ الألماني، ألا وهي في سنة ١٨٧١، تلك السنة التي تم فيها تكوين الإمبراطورية الألمانية، بعد الانتصارات