لعل من أمارات التوفيق أن يتاح لمصر إنشاء جامعة جديدة شاملة مختلف الكليات، وهي جامعة فاروق الأول في الإسكندرية التي ستفتتح في العام الدراسي الجامعي القريب. فقد حقق هذا أمنيةً طالما جاشت في الصدور؛ وسيكون من علائم التوفيق أيضاً أن يتاح لأبناء الصعيد جامعة في عاصمته (أسيوط)، وأن تتوالى بعدئذ الجامعات، فتصبح مصر موطناً صادقاً للثقافة في الشرق الأوسط، وتستعيد مصر حضارتها العلمية القديمة، حيث تخرج الأساتذة للعالم الشرقي العربي، وإن شئت للعالم كله
غير أن إنشاء الجامعات لا يحقق وحده هذه الأماني، متى كان الأمر مقصوراً على الصور والهياكل والأشكال. كما أن إنشاء البرلمانات وإقامة الدساتير ذات المواد الكثيرة، لا يحقق بذاته المعنى النيابي التمثيلي المنشود، مهما تتألف هذه البرلمانات من مجالس الشيوخ والنواب، بما تضمه من مكاتب ولجان؛ ومهما يكن للنواب من الحق في تقديم الأسئلة وتوجيه الاستجوابات وحق طرح الثقة، ما دام أن النواب لم يستطيعوا أو لا يستطيعون بالفعل، لا بعمل الدستور، أن يسقطوا الوزارات؛ بل إن من الوزارات ما يستطيع أن يسقط المجالس النيابية، ويلغي الدساتير، ويستبيح كل ما حرمته
ليس من شك في أن كل أمة تشغل بالعرض عن الجوهر، ويصرفها الشكل عن الموضوع - لن تظفر بما تبتغي من الأغراض، إذ أن هذه الأغراض ستظل أمنية وخيالاً بديعاً وحلماً جذاباً
من أجل هذا، نرجو أن يتاح لجامعة الإسكندرية ما لم تتحه الملابسات لجامعة القاهرة. فإن هذه الجامعة لا تزال جامعة شعبية أو في حقيقتها مجموعاً من المدارس العالية، غايتها عقد امتحانات وتوزيع شهادات، وانصراف حملتها بعدئذ إلى الوظيفة.
لم يتهيأ لجامعة القاهرة إلى اليوم أن ينصرف أساتذتها وطلبتها إلى البحث العلمي كغاية أولى للجامعة. ذلك أن نشأة الجامعة الأولى بجمع المدارس العالية التي كانت قائمة يومئذ تحت اسم الجامعة، والوقت السياسي، والتيار الحزبي الذي قامت فيه الجامعة، وفترة