لم يكن نظام وأد البنات متبعا عند جميع العرب في الجاهلية، بل كان مقصورا على بعض عشائر من ربيعه، وكنده، وطي، وتميم. وكانت الطريقة السائدة في الوأد أن تحفر بجانب الموضع الذي اختير لولادة الأم حفرة عميقة، فإذا ظهر أن المولود أنثى، قذف بها حية عقب ولادتها مباشرة في هذه الحفرة، وهيل على جسمها التراب، وبعضهم كان يلجأ إلى وأد بناته في أمكنة خاصة بعيدة عن المنازل حتى لا يدنسها بجثثهن ورفاتهن. وأشهر مكان كان يجرى فيه الوأد على هذه الطريقة هو جبل أبى دلامة
وقد ظل هذا النظام متبعا عن العشائر السابق ذكرها حتى قبيل الإسلام، ثم ألقيت في نفوس كثير من العرب كراهته، وانكشفت لهم شروره، وظهر لهم تنافره مع سنن الطبيعة ونواميس العمران، فنهض كثير من سادتهم إلى محاربته إذ كانت النفوس مهيأة لما يدعون إليه، فلم يجيء الإسلام حتى كان هذا النظام على وشك الانقراض، وقد شن الإسلام على البقية الباقية منه حرباً شعواء انتهت بمحوه محواً تاماً، فلم نسمع بعد وفاة الرسول عليه السلام بأي حادث من هذا النوع، حتى بين العشائر التي بقيت على دينها القديم
وقد اختلف الباحثون في العوامل التي حملت العشائر السابق ذكرها على اتباع هذا النظام الوحشي؛ وانقسموا بهذا الصدد إلى فريقين: فريق يعلله بالفقر، وآخر يتلمس أسبابه فيما جبل عليه العربي من شدة الحرص على صيانة عرضه، واتقاء ما عسى أن يصيبه بمكروه
فأما الفريق الأول فيرى أن أسباب هذا النظام ترجع إلى الإملاق وعدم القدرة على تربية الأولاد؛ وان التبعة في هذا تقع على بيئة بلاد العرب وحالتهم الاقتصادية: فإجداب أرضهم وضالة دخلهم من مهنة الرعي التي كان يزاولها كثير منهم، واحتكار التجارة في يد أفراد من سراتهم، وحيات الشظف التي كانت تعانيها الدهماء، والمجاعات المتوالية التي كانت تنتابهم، وكثرة تنقلهم في طلب الكلأ لإنعامهم. . . كل أولئك وما إليه جعل من الصعب على كثير منهم تربية أولادهم، واضطر القبائل السابق ذكرها على طريقة الوأد للتخلص من هذا العبء الثقيل ويرى هذا الفريق في قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق. .