للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أساليب التفكير:]

التفكير الخرافي

للأستاذ عبد المنعم عبد العزيز المليجي

على أن الحيوانات العليا وعلى رأسها الإنسان لا تسلك سلوكاً غريزياً خالصاً، ولا تتصرف بحكم الفطرة وحدها، بل تستخدم قدراً من الذكاء العملي، بفضله يتحقق التوازن بين الفرد وبين الظروف التي تكتنفه، وبه يتوسل إلى تحقيق رغباته الفطرية كالحصول على الغذاء، أو الاحتماء من الأخطار، أو حماية الصغار، أو اجتذاب الجنس الآخر للتزاوج والتناسل.

والإنسان شأنه شأن الحيوان، يسعى إلى تحقيق نفس هذه الأغراض وإن تعقدت وتعددت، مستخدماً نفس القدرة على التفكير العملي وإن زاد حظه منها.

بيد أنه بعد أن يرضي مطالبه الغريزية هذه فيتغذى ويحتمي ويأمن الخوف والجوع على نفسه وبنيه، ويستمتع بجماعة يهرع إليها ويختلف، ويتبادل وإياها المشاعر والعواطف طبقاً لدافع التجمع الذي غرس فيه؛ بعد أن يشبع هذه المطالب يستغل تفكيره في محاولة الكشف عن علل الحوادث التي تقع تحت ناظريه، واستجلاء أسرار ما يدركه من ظواهر الطبيعة والحياة. فالإنسان إذ يشبع ميوله ورغباته الفطرية لا يقف مكتوف اليدين أمام موكب الحياة والأحياء، ولا يقف مشاهداً سلبياً في عالم تتتابع أحداثه وتتدافع مشاهده في سرعة وتعدد وتداخل وتجدد وتغاير.

وكيف يقف هذا الموقف وقد فطر على حب الاستطلاع لكل جديد غريب لا تفادياً لما قد ينجم عنه من ضر، أو طمعاً فيما قد يفيد من خير فحسب، شأن الحيوان الذي يستطلع من أجل أغراضه الحيوية؛ ولكن الإنسان يستطلع فضلاً عن ذلك من أجل الاستطلاع في ذاته، ويطلب المعرفة للمعرفة، ويشتهي العلم للعلم في كثير من الأحيان؛ وبذلك يستبين لون جديد من ألوان التفكير لا نصادفه لدى العجماوات؛ ذلك هو التفكير النظري نضيفه إلى التفكير العملي الذي سبقت الإشارة إليه.

والإنسان في ذلك سواء: الطفل أو الرجل، البدائي الهمجي أو المدني المتحضر، المجنون أو العاقل. كل منهم قد يسعى إلى معرفة علل الحوادث والظواهر وغاياتها ونتائجها من اجل المعرفة، أي أنهم جميعاً يفكرون تفكيراً نظرياً إلى جانب التفكير العملي الذي يحفظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>