سئلت في أواخر الحرب عن الموضوعات الأدبية التي ستكثر الكتابة فيها بعد عودة السلام، فقلت: أنها هي الموضوعات الروحية والموضوعات الجنسية.
وسبب الإكثار من الكتابة في كلا الموضوعين واحد وهو الحيرة وقلق النفوس والرغبة في السلوى والاستقرار.
فالذين فقدوا الأعزاء يحبون أن يشعروا بعالم الأرواح ليشعروا (بوجود) أولئك الأعزاء وأنهم غير مفقودين.
والذين يئسوا من حكمة البشر يحبون أن يركنوا إلى حكمة الله، لأنهم لا يستريحون إلى اليأس من الأرض واليأس من السماء.
والذين غلبتهم الأحزان والآلام يحبون أن يغلبوها بقوة الإيمان، وأن يقابلوا شيئاً من الخوف بشيء من الاطمئنان.
قلوب تشعر بالهم والقلق وتحب أن تشعر بالسلوى والاستقرار، لهذا يكثر البحث عن الأرواح والكتابة في مباحث الأرواح ولكن القلق الإنساني قد يلتمس السكينة من طريق غير هذه الطريق.
فالأجسام المستثارة تطلب الراحة فيما يلهيها وما يلذها، ويهيئ لها الأسباب في مجال اللهو واللذة أن الحرب تركت مئات الألوف من الفتيات بغير أزواج وبغير عائلين، وأنها تركت ألوف الألوف من الدنانير في أيدي العاطلين أو أشباه العاطلين، وأنها علمت الناس أن يحفلوا بساعتهم ولا يحفلوا بما بعدها، وأن يستمتعوا بالحياة لأنهم على نذير في كل لحظة بفقد الحياة.
لهذا يكثر الإقبال على موضوع الجسد كما يكثر الإقبال على موضوع الروح، ولهذا توقعنا أن تنجلي الحرب عن إقبال عظيم على متاع هذه الدنيا وإقبال مثله على متاع السماء.
وانتهت الحرب فرأينا أول الشواهد على شيوع الدعوة الدينية من قبل العالم الإسلامي في الهند خاصة، وسرنا أن يتيقظ المسلمون في هذا المجال مع الإيقاظ، فإن النوم في هذا العصر يضيع على صاحبه الحقيقة ويضيع عليه الأحلام.