للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على ذكر خطبة هتلر في يوم الجمعة الماضي]

هذا رجل!. . .

نعم هذا رجل! ولا يستطيع أن ينكر عليه هذه الصفةَ في الدنيا صديق ولا عدو ولا محايد. هذا رجل كما نعتقد، لا رسول كما يدعي؛ لأن الرجل لأمته والرسول للناس. وحسب الفوهرر أن يكون رجلاً، فإن الله تعالت حكمته لا يخلق الرجل إلا كل قرن. والأمم تنتظر في انحلالها الرجل، كما تنتظر الخليقة في ضلالها الرسول.

منذ أسبوعين انتظر العالم كله ماذا يقول هتلر ليبنى على قوله ما يفعل، ويرتب على حكمه ما يرى. وفي خلال هذه الفترة القصيرة الطويلة أوشك نبض الحياة العادية أن يقف انتظاراً لما عسى أن يكون هذا الكوكب. فلما وقف المستشار على منصة الريخشتاغ أصاخ لأمواج الأثير كل سمع في الوجود العاقل. وأعلن الدكتاتور رأيه الصريح بالمنطق الموهوب والبلاغة القوية، فملأ صوته الدنيا، وشغل قوله الناس. وقديماً قيلت هذه الكلمة في المتنبي؛ ولكن دنيا أبي الطيب كانت مملكة الإسلام، وناسه كانوا أمة العرب. أما هتلر فهو أول رجل في تاريخ الخليقة سمع خطابه أو ترجمته في يوم واحد كل دولة في الأرض، وكل مدينة في دولة، وكل بيت في مدينة، وكل راشد في بيت. ذلك لأن هذا الرجل العجيب استطاع في ست سنين ونصف أن يبني من الحديد والنار والسم والعزيمة والعصبية دولة كانت بعد صلح فرساي تتوارى من الخجل، وتتفانى من الجوع، وتتهالك من الدين، وتضع أيديها على هيكلها فلا تجد إلا شلوا تبددت أعضاؤه في كل وجه؛ فأصبحت بما نفخ فيها من روح الكفاح، ووضع في أيديها من قوة السلاح، تملك على الدول الحياة والموت، وتقضي على الأمم بالسلام أو الحرب. كل ذلك فعله كما قال من غير ثورة ولا حرب، فكان حرياً أن يتبجح في آخر خطابه التاريخي بقوله: (ألست بعد هذا حقيقيا بأن أطلب إلى التاريخ أن يعدني في الذين حققوا أعظم ما يسمح الإنصاف بطلبه من رجل؟)

في كل أمة ما شئت من القوى الحسية والمعنوية؛ ولكنها تتفرق في أفرادها فتضعف، ويغشاها الكسل في نفوسها فتخمد. فإذا ما قيض الله لها رجلا منها يجمع قواها في قوته، ويوحِّد إرادتها في إرادته، استطاع أن ينيلها نصيبها الكامل من الحياة، وينهج لها طريقها القاصد إلى الغاية. ولكنك لا تجد هذا الرجل دائماً في كل أمة؛ فإن خصائص رجولته تكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>