يجوز الأدب العربي اليوم حركة تطور وتجديد لا ريب في قوتها وأهميتها؛ والحركات الفكرية، كالحركات السياسية، عرضة للإغراق والتطرف، ولا سيما قبل أن تبلغ مرحلة النضج والاستقرار؛ وقد كانت حركتنا الأدبية عرضة لبعض هذه المظاهر المتطرفة؛ فقد أفرط البعض مثلا في التحدث عن الجديد والقديم دون أن يسفر هذا الجدل الخالد عن معان واضحة أو نتائج عملية؛ وقد زعم البعض أن التجديد هو إغفال الماضي كله، والسير وراء التفكير الغربي في حركة تقليد عمياء؛ وظهرت في الأعوام الأخيرة في حركتنا الأدبية خاصة تطرف أخرى، هي الإغراق في التحدث عن القصة وكتابة القصة، وفي تقدير المكانة التي يجب أن يتبوأها القصص في أدبنا؛ ويذهب بعض أصحاب هذا الحديث إلى أن القصص هو اعظم وأجمل وأقيم ما في الأدب الغربي، فيجب أن يكون له مثل هذه المكانة في أدبنا، ويجب أن ينصرف الكتاب إلى تأليف القصة حتى يصبح لنا تراث قصصي عريض مثلما في الأدب الغربي
وهذا قول يحتاج إلى بيان ومناقشة. نعم إن القصص يتبوأ في الآداب الغربية الحديثة أسمى مكانة؛ ولكنه ليس كل شيء في هذه الآداب، وليس هو أعظم شيء فيها؛ وإنما يتخذ القصص هذه المكانة في آداب عظيمة تفتحت فيها جميع نواحي التفكير والفن ونضجت، واتصلت مراحل نموها وتطورها مدى عصور. وللقصص الرفيع في هذه الحضارات والآداب العظيمة مهمة سامية أخرى غير متاع القراءة والرياضة العقلية، هي المعاونة في تربية النشء وتكوينه، وتكوين الأخلاق والخلال الفاضلة، والدعوة إلى المثل العليا. والقصص يتخذ أداة للتعبير عن خفايا النفس البشرية، وصياغة العواطف النبيلة والعبر المؤثرة، كما يتخذ أداة لعرض ما في اللغة القومية من كنوز البيان الساحر. وإنا لنتساءل أولاً: هل يفهم القصص في أدبنا على هذا النحو؟ وهل استطعنا بعد كل هذا الضجيج أن نخرج في ميدان القصص ما يمكن أن يرتفع، في فنه وفي قيمته الأدبية، إلى هذا المستوى؟ وهل نضجت حركتنا الأدبية واستكملت كل ما ينقصها من النواحي والعناصر التي يجب