أن تمثل في كل الآداب العظيمة فلم يبق أمامنا إلا أن نعالج القصص وان نحسنه؟
إن القصص لم يتبوأ مكانته الرفيعة في الآداب الغربية ألا في العصر الحديث حينما ازدهرت هذه الآداب، واستكملت عناصرها الجوهرية. نعم إن القصص وجد في الآداب القديمة منذ اقدم العصور؛ ولكنه لم يشغل في الآداب القديمة ذلك الفراغ الشاسع الذي يشغله في الآداب الحديثة، وقد كان فوق ذلك من نوع خاص، قصصاً دينياً أو قصص بطولة أو فروسة قومية، ولم يخرج قصص العصور الوسطى في الآداب الغربية عن هذه الدائرة. ولنا مثل هذا القصص في أدبنا العربي القديم؛ ولكن الحركة الفكرية اضمحلت في الشرق في الوقت الذي نهضت فيه في الغرب وأخذت تتفتح في سائر النواحي وتنمو بخطى عظيمة؛ وبينما كانت الآداب الغربية تغزو ميادين جديدة، منها ميدان القصص، إذا بالحضارة الإسلامية والآداب العربية تخبو وتتراجع أمام الغزوات البربرية التي قام بها التتار والترك في سائر أنحاء العالم الإسلامي؛ ولما افتتح الترك مصر، وهي يومئذ ملاذ التفكير الإسلامي، لقيت الآداب العربية ضربتها القاضية، وركدت ريحها زهاء ثلاثة قرون، وتخلفت عن الآداب الغربية في كل نواحي التقدم؛ ولم تستطع أن تنهض من سباتها الطويل إلا بعد أن تقلص عنها ظل هذا النير البربري
وما نراه اليوم من نقص في نواحي حركتنا الفكرية، إنما هو من أثر هذا الاضطهاد الذي أصابها مدى هذه الأحقاب الطويلة؛ والقصص إحدى هذه النواحي، بيد انه ليس أهمها وأحقها بالعناية؛ فهنالك نواح أخرى في أدبنا لم تنضج ولم تستقر، وهنالك في ميادين العلوم والفنون نقص واضح، والقصص الرفيع عنوان حركات فكرية نضجت واستقرت وازدهرت فيها مختلف نواحي الثقافة والفنون. وقد يظهر القصص في آداب أمم وحضارات متأخرة، ولكنه يكون قصصاً ساذجاً تنقصه عناصر الفن والتفكير. وإذا كان من المسلم به أن حركتنا الفكرية لا زالت بحاجة إلى استكمال كثير من العناصر الجوهرية، فليس مما يقويها ويدعمها، أن ننصرف إلى نواح دون أخرى، وأن نؤثر بعض هذه النواحي بالأهمية والخطورة، وأن نصورها خلاصة الفن والأدب، وكل شيء فيهما، على نحو ما يصور البعض كتابة القصص، فمثل هذا الإغراق لا يخدم قضية الأدب والثقافة؛ ولكنه بالعكس يجنى عليها إذا أثمر ثمره في الأذهان والأقلام الناشئة. وهذا ما يلوح لنا أنه