يسأل نرنسوا مورياك عن ثلاثة أسئلة عن أدب المجون، أولها عن نتائجه، وثانيها وثالثها عن أسبابه. فأما سؤاله عن نتائجه فما أظن جوابنا عنه يختلف عن جواب زملائنا الأوربيين في شيء؛ لأن خطر الأدب الماجن على الفرد والجماعة وعلى الأدب نفسه لا يماري أحد فيه لا منا ولا منهم. وهل يماري أحد في أن البهيم الذي يساكن الإنسان في جسد واحد إنما يروضه ويكبحه الأدب القائم على العقل والدين والعلم، تارة بالفطام واللجام، وتارة بالسياسة والملاينة، فإذا فسدت طبيعة هذا الأدب، فانقلب القيد سوطاً يلهب، والشكيمة مهمازاً يحث، أفلت البهيم من ربقته فأفترس الإنسان الذي يعيش معه، وحطم المجتمع الذي يضطرب فيه. والأدب الذي أطلق هذا البهيم بتمليق غرائزه وتحريض شهواته سينتهي أمره لا محالة إلى أن يصير آفة تتقى وجرثومة تحارب؛ لأن في ابن آدم محكمة داخلية نسميها الضمير، إذا تعطلت حيناً فأن تعطل أبد الدهر
وأما سؤالاه عن أسبابه، فالأمر بيننا وبينهم في جوابيهما جد مختلف. ليس في أدبائنا أديب تلقى عليه التبعة في انحطاط الأدب الحديث كسارتر، وليس في أدبنا مذهب يساعد على هذا الانحطاط كالوجودية؛ إنما هي العدوى انتقلت إلى مصر من مكان الوباء فصار فيها المرضى وحملة المرض. ولا أقصد بالعدوى عدوى حدوث المجون، فإن المجون كما قلت أصيل في كل نفس، عريق في كل أدب؛ إنما أقصد بالعدوى عدوى نشره في الصحف والكتب والتمثيل بتوعيه المحقق والمصور.
ليس على المرء من حرج أن يماجن صحبه الأدنين في مجلسه
الخاص؛ وليس عليه من حرج أن يعري في غرفة نومه أو في حمام
بيته؛ وإنما الحرج كله أن يماجن في ملأ أو يعري في شارع. والذين
يسمعونه مفحشاً ولا يعترضون، أو يرونه عارياً ولا يعرضون، لا
يقلون مجوناً ولا جنوناً عنه.
فالمسألة في أدب المجون مسألة ضمير في الكاتب والناشر، وكرامة في القارئ والناظر. في وجودهما عدمه، وفي عدمهما وجوده. كنا قبل أن نعرف أوربا نتحرج أن نرى المرأة