ويمكننا بعد هذا أن نحكم بأن الخنزير من جنس السباع مثل الكلب، لأنا إذا جرينا على ما جاء في القاموس من أن السبع هو المفترس من الحيوان فالخنزير يفترس الحيوانات كالسبع، خصوصاً إذا لم يجد ما يأكله من العشب. فإنه يصير إلى أن يكون آكل لحوم، فيفترس الحيوانات الحية، ويأكل من لحومها، كما جاء في كتاب (الحجج البينات في علم الحيوانات)
وكذلك إذا جرينا على ما جاء في كتاب النهاية لابن الأثير من أن السبع هو ما يفترس الحيوان ويأكله قهراً وقسرا، لأن هذا يوجد في الخنزير أيضاً، أما إذا جرينا على ما ذكره أبو حنيفة من أن كل ما أكل اللحم فهو سبع فأمر الخنزير في السبعية عليه أظهر، لأنه لا يشترط فيها الافتراس كما اشترطه فيها غيره، بل يكتفي فيها بأكل اللحم، ولذلك عد الفيل ونحوه من جنس السبع
فأما إذا جرينا على ما ذكره الشافعي من أن السباع المحرمة هي التي تعدو على الناس فإنا نجده ضيق في ذلك بما لم يضيق به غيره، ولكن الخنزير يدخل في السباع على ذلك أيضاً، لأن الخنازير كثيراً ما تجاهر الناس العداء وتحمل على الإنسان بدون أن يغيضها، كما جاء في دائرة معارف البستاني
على أن الحديث الوارد في تحريم (كل ذي ناب من السباع فأكله حرام) يظهر منه أن لأنياب السباع أثراً في تحريمها، بل الظاهر منه أنها هي العلة في هذا التحريم. ولاشك أن هذه العلة في الخنزير اظهر منها في سائر السباع لأن قوة نابه لا توجد في غيره منها، وقد بلغ من أمرها أن يتغلب بها أحياناً على الأسد، كما جاء في كتاب حياة الحيوان وغيره من الكتب القديمة والحديثة في علم الحيوان
وإذن يكون تحريم لحم الخنزير لسبعيته، وتكون هذه السبعية هي التي جعلت الإسلام ينظر إليه هذه النظرة البغيظة. وإذا كان الإسلام قد أهتم بأمره أكثر من غيره من السباع فأنزل تحريمه في القرآن الكريم، وحكم بنجاسته مع تحريمه ولم يحكم بنجاسة غيره من جنسه،