لا ريب أن ما تتمتع به فرنسا وباريس في مصر من حب وتقدير يرجع قبل كل شيء إلى غرسها العلمي والثقافي؛ وإذا كان هذا الغرس يذبل اليوم ويتضاءل لأن عوامل كثيرة جديدة دخلت في الثقافة المصرية المحدثة، فأن الثقافة والآداب الفرنسية ما زالت تحتفظ في مصر بكثير من جاذبيتها وسحرها.
لقد تلقى كثير من المصريين علومهم بفرنسا، وما زالوا لثقافتها رسلاً مخلصين.
بيد أنه من حسن الطالع أن هذا الجيل المتعصب لثقافته الأجنبية يضمحل اليوم؛ ذلك أن مصر يجب ألا تكون ميداناً بعد لنضال الثقافات الغربية التي تبغي دائماً من بسط نفوذها العلمي والثقافي أغراضاً خاصة، ويجب أن تسير مصر في تكوين ثقافتها القومية على مبدأ الاختيار الحر بعيداً عن دعاية أولئك الرسل المتعصبين.
إن فرنسا تتمتع منذ الأحقاب بسمعة جامعية وعلمية راسخة، وما زالت باريس بجامعتها الشهيرة كعبة الطلاب من سائر الأنحاء والأمم، وما زال حيها الجامعي أو الحي اللاتيني على تقشف مظهره من أشهر أحيائها وأجدرها بالحب والعطف، وأغناها بالذكريات.
ففي الحي اللاتيني يتفتح الذكاء الفرنسي، وفيه تشع العبقرية الفرنسية، وفيه ينهل ألوف من الشباب الأجنبي مورد الثقافة الرفيعة، ويلمسون كثيراً من نعم النظم الديموقراطية التي تسود أفق الحياة العامة في فرنسا.
وفدنا على باريس في صميم الصيف والحياة الجامعية معطلة، فلم يتح لنا أن نرى شيئاً من مظاهر نشاطها، ولكنا مع ذلك طفنا بأرجاء الحي الجامعي مراراً ولمحنا آثار الصبغة الجامعية تطبع الحي في معالمه، وفي فنادقه ومقاهيه، ومظاهر حياته المتواضعة.
يشغل الحي الجامعي ركناً من أقدم أركان باريس وأكثرها تواضعاً، كما يشغل حينا الأزهري أقدم أركان القاهرة وأكثرها تواضعاً؛ وقوام الحي الجامعي شارع سان ميشيل: