في أحوال الناس وتقلب الزمان، ومدح ملك العالم غياث الدين
والدنيا قدس سره
الله تعالى يجتبي في كل عصر واحداً من خلقه، ويجمّله بالفضائل الملكية، وينوط به مصالح الدنيا وراحة الناس، ويغلق به باب الفساد والفتن والاضطراب، ويمكن هيبته وحرمته في قلوب الخلق وعيونهم، ليعيش الناس في عدله، ويأمنوا في سلطانه، ويرجوا بقاء دولته
وإذا عصا الناس الشريعة واستخفوا بها وقصروا في إطاعة أوامر الله تعالى فأراد أن يعاقبهم ويذيقهم جزاء أعمالهم، ويحل بهم شؤم عصيانهم - لا أرانا الله مثل هذا الزمان، ولا ابتلانا بمثل هذا الشقاء - يحرمهم الملك الخيِّر، فتختلف بينهم السيوف وتسيل الدماء، ويغلب كل قوي على ما يريد حتى يهلك هؤلاء المجرمون في هذه الفتن وهذا القتال. كمثل النار تشتعل في القصب فتحرق كل يابس، وتتعدى إلى كثير من القصب الرّطب
الله تعالى يمنح واحداً من عباده السعادة والدولة، ويرزقه الإقبال على قدره، ويهبه العقل والعلم ليسوس بهذا العقل والعلم كل واحد من الرعية على الوجه الذي يصلحه، ويضع كل واحد في مرتبته؛ ثم يختار رجاله وعماله من الناس، ويوفي كلا منهم درجته، ويعتمد عليه في كفاية أمور الدين والدنيا
ويكفل الراحة لمن يسلك سبيل الطاعة ويقبل على عمله من رعيته ليعيشوا مغتبطين في ظل عدله
وإذا تجاوز أحد عماله حدّه وأطال يده فإن أصلحته الموعظة والتأديب والتأنيب، واستيقظ من نوم الغفلة، حفظ عليه عمله ومنصبه، وأن تمادى في غفلته لم يستجز إبقاءه في عمله واستبدل به من هو أهل للعمل