في الساعة العاشرة من مساء الجمعة وهو اليوم الثاني من شهر مايو، شهر الأزهار، كما يسميه أحد شعراء الفرنسيس، مضيت إلى دار المفوضية العراقية مع مترجم (آلام فرتر) لنشهد آلام الأصدقاء الأعزاء وقد آذتهم أخبار الحرب في يوم الاحتفال بميلاد (الملك الشبل) وهو ابن غازي وحفيد فيصل
وفي الساعة العاشرة من مساء الأحد، وهو اليوم الرابع من شهر مايو، حملت القلم لأحدث قراء (الرسالة) عن تفاصيل ما ثار بيني وبينهم من خصومات، ولكن المدافع ثارت فوق رأسي حتى كدت أتوهم أنني المقصود بعدوانها الأثيم، فالبيت الذي أقيم فيه يرتج ارتجاجاً عنيفاً جداً؛ وأنا أكتب هذه السطور بدون أن أعرف كيف تنتهي هذه الليلة السوداء، وإن كانت قمراء. وصاحب البيت يطرق باب غُرفتي بعنف ليحضني على النزول إلى السرداب، فأجيب: دعني، دعني، فأنا أشتهي أن أموت والقلم في يدي!!
ومعنى ذلك أنني في الإسكندرية وفي أخطر مكان وهو (الرمل)
الغرفة محجوبة النوافذ بحجاب سميك، وفيها نور ينفعني ولا يراه أحدٌ غيري، وأنا مع ذلك أكاد أشهد نيران المدافع وهي تخترق أحجبة النوافذ، فهل حان الوقت لأستريح من دنياي، ولأنجو من بغي الأعداء، وغدر الأصدقاء؟
طاخ! طاخ! طاخ!
تلك أصوات المدافع، وكأنها تقصدني بالذات، فهي تُزلزل الدنيا من حولي، وتنذرني بغاية كريهة دميمة هي الموت في مكان لا أودِّع فيه أهلي وأبنائي
طاخ! طاخ! طاخ!
اصنعوا ما شئتم، أيها العادون من بني الألمان، فأنا أشتهي أن أموت والقلم في يدي، ولن أنزل أبداً إلى السرداب، ولو لقيت الحتف بمدافعكم الباغيات