قبل أن أقول كلمة في هذا الموضوع أحني الرأس طويلاً بين يدي حواء، فمهما تكن فإنها أمي، والأم لا تنكر إذ قد ينكر الأب، وإنها بعد ذلك أختي، والأخت لا تتنكر إذ قد يتنكر الأخ، وأنها منذ كنت سكني. . . رحمانك يا رب!
وبعد فإنه يخيل إليّ أني قد استطعت - بعون الله - في حديثي السابق أن أغري القارئ بالتفكير معي في أمر الصدق ولزومه للفن، وإني أرجح أن تفكيره لم يعد يرى بأساً في أن نجعل ما بين الصدق والفن من الصلة أساساً للنظر في صلة الفن بالناس. فالصدق لا يقوم بذاته إلا في الوجود المجرد، ولكنه يحتاج إلى من يتجسده في الكون المحسوس كما يحتاج إلى من يعلنه فيه، والإنسان بعض ما يتجسده، وهو وحده الذي يعلنه بهذا الأسلوب المفهوم المعقول. والإنسان كما هو ظاهر رجل وأمراة، فأيهما كان أقرب من الصدق كان أقرب من الفن. وأيهما كان أقرب من الفن كان أقرب من الصدق.
أما الذي يسجله التاريخ القديم والحديث فهو أن عدد الرجال الذين أبدعوا في فنون الحس والعقل على الإطلاق أكثر من عدد النساء اللواتي أبدعن في هذه الفنون. فإذا نحن سايرنا منطق الحساب فإننا سنشهد مجبرين بأن الرجل أقرب إلى الصدق من المرأة.
ولكن الذي تعودناه من مجاملة حواء لا يجيز لنا أن نمسك بهذه الدعوى وأن نتعلق بها وأن نقف عندها متبلطين لا نتزحزح عنها ولا ننجلي، وإنما يأنف الذوق من هذا ويأبى إلا أن نخف عن هذه الدعوى ألي شيء مما يتلوها، فنقول: لعل طبيعة المرأة في الأصل كانت تكاد تشبه طبيعة الرجل، ولكنها الحياة التي تمردت على الطبيعة بهذه الحضارة هي التي عصفت بالمرأة دون الرجل وللمرأة عندئذ عذرها إلا إذا أنكرت تكوينها، ولها فيه من القوة ما حُرِمه الرجل. كما أن لها فيه من الضعف ما برئ منه الرجل.
قد يتعاشق رجل وامرأة. أما الرجل فيهفو إلى محبوبته، وأما هي فيكون في نفسها أن تطير