نشرتم في ص٢٠ من الجزء الرابع من الرسالة ترجمة للبيروني حسنة التأليف والمضامين متناولة لكثير من مناحي الرجل العلمية والفنية، ولكنها مغفلة لمنحاه الأدبي المصطلح عليه في عصره، وهذا مما تعنى به الرسالة ويصيب منها هوى فيه، فللبيروني كتاب (شعر أبي تمام) قال ياقوت الحموي: (رأيته بخطه لم يتمه) وكتاب التعلل بإجالة الوهم في معاني نظم أولي الفضل، وكتاب تاريخ أيام السلطان محمود وأخبار أبيه، وكتاب المسامرة في أخبار خوارزم ذكره ياقوت أيضاً في مادة (خوارزم) وكتاب مختار الأشعار والآثار، قال ياقوت:(وإنما ذكرته أنا هاهنا لأنه كان أديباً أريباً لغوياً وله تصانيف في ذلك) ولم يذكر في الترجمة المذكورة في الرسالة كتابه (تقاسيم الأقاليم)، قال ياقوت (وجدت كتاب تقاسيم الأقاليم تصنيفه وخطه وقد كتبه في هذا العام) وليس هو الذي أشير إليه في الرسالة بما نصه (وعمل قانوناً جغرافياً كان أساساً لأكثر القسموغرافيات المشرقية) وله كتاب (اعتبار مقدار الليل والنهار) وسبب تأليفه أن السلطان محمود الغزني ورد عليه رسول من أقصى بلاد الترك وحدث بين يديه بما شاهد، في ما وراء البحر نحو القطب الجنوبي (كذا) من دور الشمس عليه ظاهرة في كل دورها فوق الأرض بحيث يبطل الليل، فتسارع السلطان على عادته في التشدد في الدين، إلى نسبة الرجل إلى الإلحاد والقرمطة، على كونه بريئاً منهما، فقال أبو نصر أبن مشكان للسلطان (أن هذا لا يذكر ذلك عن رأي يرتئيه ولكن عن مشاهدة يحكيه) وتلا قوله عز وجل (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) فسأل السلطان أبا الريحان عن ذلك فأخذ يصفه له على وجه الاختصار ويقرره على طريق الإقناع، وكان السلطان في بعض الأوقات يحسن الإصغاء ويبذل الإنصاف، فقبل ذلك وانقطع الحديث بينه وبينه وقتئذ، وبعد تولي ابنه مسعود للسلطنة انبعثت القضية ائتنافاً وفاوض البيروني يوماً فيها وفي سبب اختلاف مقادير الليل والنهار في الأرض وأحب من أبي الريحان البرهان ليجتزئ به عن العيان، فقال له أبو الريحان (أنت المنفرد اليوم بامتلاك الخافقين، والمستحق بالحقيقة اسم ملك الأرض، فأخلق بهذه المرتبة إيثار الاطلاع على مجاري الأمور وتصاريف أحوال الليل والنهار ومقدارها في عامرها وغامرها) وصنف له ذلك الكتاب المتقدم ذكراً بطريق يبعد عن مواضعات المنجمين وألقابهم ويقرب تصوره من فهم من لم يرتض بهذا العلم ولم يعتده، وكان السلطان قد مهر في العربية فسهل