أنا لا اصدق أن هذه التهاويل الثلاثة: الحب، الطبيعة، البطولة، التي جمعها أستاذنا الأرناءوط في كتابه الجديد (عمر بن الخطاب) رواية!. . .
وإذا كان يحرص على أن يسمي (رواية) هذا العالم الذي أبدعه وشحنه بالأخيلة العجيبة والألوان النضرة والأنغام الحلوة فإني استحلفه (بكريستيا) الذي ينحت تمثاله، و (فروة) الذي يقود رجاله، و (نفتالي) الذي يندب آماله؛ بل استحلفه بهذه الغانية (بنيامينا) التي تسلب العاقل لبه، والشجاع قلبه، وتنسي الوثني ربه؛ بل استحلفه بهذه الفتاة الصغيرة الخيرة (سافو) - شقيقة البدر وبنت السحر - أن يسميها رواية شعرية لا اجتماعية ولا تاريخية، فإني نسيت الجماعات ونظمها، والتواريخ وحكمها، ورحت أنتقل على أجنحة كتابه من حجرة حب، إلى ساحة حرب، ومن مأتم عبقري، إلى عرس شعري، ومن صلاة الفجر الروحانية، إلى مناجاة البخور الجثمانية، وما أذكر أنني أحسست هذا الحس الذي يكاد يكون مزيجا من الصوفية واللذة إلا في (خطبة مسينا) و (ايفجيني في أوليس) و (بولس وفرجيني) و (أنا كارينين) و (البعث) و (أغاني بيليتس) و (بسيشة) وبعض أشعار (أوسكار ويلد). . .
وأشهد إن في أستاذنا الأرناءوط من هؤلاء جميعاً، فقد نسج على منوال يونان والغرب فجاء بشيء لم تألفه العرب لأنه جديد. ولكنها لم تنكره لأنه جميل، وصاحبه لا يتهم بالنقل ولا التقليد لأنه صانع مبتكر، ومتى ذكر الشعر فهو في دنياه
نعم (عمر بن الخطاب) قبسة من شعوره وقصيدة من شعره، ولكنها لا تشبه هذه البرك التي تقاس بالشبر وتنظم على أشكال هندسية بل هو نهر يجري: يركض ويتباطأ، يهبط ويصعد، يستقيم ويلتوي، ولكنه يذهب بعيداً. . . وفي مائه الرقراق يستحم الطير وتستنقع العذارى، ويرتوي النعناع، ويرف الحصى، وبالجملة تحيا الحياة