أشتهر من بين المستطرفين في الشرق رجلان سميا بجحا، أحدهما عربي، هو أبو الغصن بن رجين بن ثابت الذي عاش بمدينة الكوفة في القرن الثاني من الهجرة، والآخر تركي يعرف بجحا الرومي، وهو الخوجة نصر الدين الفيكهان العالمي المعروف
ونريد في هذا المقال أن نتكلم عن الثاني على أن تحصر الكلام في ناحية هامة من نواحي حياته، ونعني بها جانب القضاء، وان تطرق كذلك بإيجاز إلى جوانب حياته الأخرى كلما مست بنا حاجه أودت إلينا ضرورة.
ولد جحا في مدينة (سيورى حصار) من ولايات الأناضول وتلقى علومه الابتدائية في مدينتي (آق شهر) و (قونيه). وعين بعد ذلك إماماً في بعض المساجد فمدرساً. وقد اشتهر بالوعظ والخطابة، وشغل منصب القضاء مدة غير قليلة في نواحي قونية. وتوفي سنة ٦٨٣ هـ عن عمر يناهز الستين سنه، فكتب تاريخ ٣٨٦ هـ بدلاً من ٦٨٣. وهذا الأخير مشكوك فيه أيضا.
لقد كان جحا الرجل الفذ المعروف بحضور بداهيته وقدرته على إبداع النكات بما لا يضارعه في ذلك أحد من المستظرفين. ولئن كان جحا ضحكةبين الناس فإنه لم يكن صاغراً أو مهاناً راضياً بالذل والضيم. . فقد كان شيخاً كريماً وأديباً ممتازاً جمع بين الجد والهزل بشكل لا يجاري فيه أحد من الأدباء، وعالماً فاهماً يفحم فطاحل العلماء بأجوبته المسكتة وأدلته المقنعة. وهو يعد بلا شك برنادشو زمانه، والواقع بأنه كان أذكى وأعقل. . ومن درس حياته دراسة عميقة توسم فيه أدباً رفيعاً بعيداً عن المهازل المبتذلة. . ورأى من وراء سفاسفه فلسفة مثلى. . والمطلعون على نكاته - باختلاف طبقاتهم واختلاف ألوانه - نراهم يستمتعون بلذاتها أبد الدهر. فهو يتمثل في مخيلة كل قارئ شخصاً يتغير وصفه بتغير حال المخيل، فيتصوره الصغير رجلاً طاعناً في السن وعصاه في يده يسوق بها حماره الذي يلازمه في أكثر نكاته. ويتخيله الجاهلون من طبقة العوام رجلاً ذا جنة فيهرفون في الضحك به، ويعتبرون نوادره لونا من الهزل الرخيص. وهو في الواقع رجل عظيم كما ذكرنا، حكيم رزين، وعالم متزن متحل بمزايا الإنسان الكريم. أما نكاته فهي