للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأديب والإصلاح الاجتماعي]

للأستاذ أحمد محمد العظمة

لا مشاحة أن للأديب تأثيراً قوياً على النفوس والأفكار والعواطف والأخيلة، وان له أثراً جلياً في حياة الأفراد والجماعات، وان النهضة الأدبية كثيراً ما تمهده للنهضة السياسية والاجتماعية والدينية، وفي تاريخ الثورة الإسلامية والثورة الفرنسية مثلا مصداق ما نقول. ولا بدع فالأديب إذا بكا بقلبه مثلا بكا يراعه، وإذا ثارات نفسه ثار أسلوبه، فكأنما هو يكتب بمداد من الدماء يكفي أن يبصره الناس حتى يهيج دماءهم ويخف بها إلى ما يريد منها، وكأنما هو يخطب بأصوات من روحه لا من لسانه حسب الناس أن يسمعوها حتى تتصل بأرواحهم فتعمل فيها عمل العاصفة حيناً ثم تقذف بها حيث تريد (كجلمود صخر حطه السيل منى عل). وهذا من أسرار تلك الكهربائية الأدبية التي تعمل عملها في جوها الروحاني فلا يبلغ مبلغها إلا هي. فليس الأديب إذن أديب الألفاظ الأصلية ولا الأفكار الوزينة ولكن أديب الفن، والفن رعشة روحاني تصطفى ما تشاء ثم توحي به نغما أو رسما أو كلما تفكيراً أو عاطفة أو خيالا.

إذا كان للأديب هذا الأثر فتعالوا نتساءل عن مبلغ اهتمام معظم أدبائنا بنا وتأثيرهم الاجتماعي التقدمي فينا.

في ظني أن الجواب يحمل دون ما ينتظر من أكثرهم، فقد جروا مع الزمان كما أراد كأنهم ليس لهم في الإصلاح من مراد، انهم يهتمون بأنفسهم اكثر من اهتمامهم بأوطانهم فلم يكونوا فاعلين بالهام الواجب، بل كانوا ظاهريين انفعاليين بعامل البيئة، ينظرون إلى ألوان الأشياء والحوادث وأشكالها ولا يتأملون في حقائقها ومآلها، كأنهم يهدفون إلى الجمال الظاهري الأبي وحده ويجرون في ذلك وراء غيرهم جنوداً ولا يجرون في الطليعة قواداً، رأوا الناس استساغوا منهلا فنهلوا منه وعلوا، فبضاعتهم من الرأي تقليدية مخادعة لا ذاتية تأملية، وقد تكون هذه البضاعة من البهرج الدخيل في الأمة لا الجوهر الأصيل فيها، وقد يكمن فيها استعمار فكري أو انهيار خلقي أو إنذار سياسي، وقد تعقبها الواقعة فلا تجد الأمة لوقعتها دافعة.

غفال الناس عن ذلك كله فغفل الأدباء مثلهم أو تغافلوا فلم يكرثهم أمرهم ليروه حقيقياً

<<  <  ج:
ص:  >  >>