للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حديث الإسكندرية ذو شجون]

للدكتور زكي مبارك

(في ليلة الاحتفال بالمولد النبوي أقامت جمعية الشبان

المسيحية في الإسكندرية احتفالاً سمته (عيد الورد)، ودعت

إليه جماعة من أدباء القاهرة، وفيما يلي خطبة الدكتور زكي

مبارك في ذلك الاحتفال)

في هذا المساء أيها السادة يحتفل المسلمون بعيد المولد النبوي، وتحتفلون بعيد الورد، فالمسلمون يحتفلون بعيد الحق، وأنتم تحتفلون بعيد الجمال، والصلة وثيقة جداً بين الحق والجمال

أما بعد، فقد اقترح صديق عزيز أن تكون خطبتي عن الإسكندرية حديثاً ذا شجون، فما الذي ينتظر ذلك الصديق من تلك الشجون؟

أيكون لاحظ أنني كثير الحديث عن الإسكندرية، وأن هواي بها وصل إلى حدَّ الافتضاح؟

هو ذلك، ولكن هل يعرف لأي سبب تزداد شراهتي في انتهاب مفاتن الإسكندرية كلما سنحت الفرص في الصيف أو في الشتاء؟

السبب يرجع إلى أني دخلت الإسكندرية أول مرة وأنا حزين: دخلتها في قفص، دخلتها في سيارة مقفلة من سيارات السلطة العسكرية في أيام الثورة المصرية. دخلتها في الظلام، فلم أر من جمالها غير أطياف، ثم نقلني ذلك (السجن المتحرك) إلى مقرِّ الاعتقال في ضاحية نائية، هي اليوم ملاعب صبابة ومدارج فتون. ومن يصدِّق أن ضاحية (سيدي بشر) كانت معتقَلاً يُسجن فيه من هتفوا باسم الحرية والاستقلال؟

قضيت في هذه المدينة شهوراً طوالاً بدون أن أشهد من جمالها غير ما يطوف بالأوهام والظنون. ولن أنسى أبداً كيف كان هدير البحر يقرع سمعي وقلبي في غفوات الليل. ولن أنسى كيف فرحت يوم خرجت من المعتقل لأرى الإسكندرية بعينيّ، ولأطوِّف في رحابها حيث أشاء بلا حارس ولا رقيب، ولأقول لنفسي: إن شهور الاعتقال قد ذهبت إلى غير مَعاد. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>