كتب الأستاذ الكبير صاحب الرسالة الغراء، سلسلة من مقالاته القوية الممتعة في الأزهر وما يتصل بالأزهر من فقه ودراسة وخلق
وقد أثارت هذه المقالات في نفسي باعتباري مسلماً، وعالماً، ومدرساً في الأزهر، عاملين مختلفين: أحدهما عامل الأسف والحزن والخجل من هذا السيل المتدفق الذي ينصب على رأس الأزهر في الحين بعد الحين، بل مع كل مطلع شمس ومغربها، حتى أصبحنا لا نقرأ مقالاً، ولا نستمع إلى حديث، ولا نتصفح كتاباً إلا رأينا فيه لوناً من ألوان النقد العنيف موجهاً إلى الأزهر في جموده وخموله، وركود الحياة العلمية فيه، وقصوره عن مجاراة الزمن، ومسايرة الحضارة العلمية التي رجت العالم، وتغلغلت في كل نواحي الحياة!
أما العالم الثاني فهو عامل الأمل والرجاء، في أن هذه العلل ما دامت غير مستحكمة ولا متأبية على الإصلاح، فهي قابلة للشفاء، وأن هذه الوخزات ما دام يحس بها أبناء الأزهر فهي دليل على الحياة فيه، وهي لا بد ستوقظه من سباته العميق، وستحمله على أن ينفض عن نفسه غبار هذا الكسل، وينخلع من هذا الثوب البالي الذي جلله بالعار، وديثه بالصغار، وسامه الذل والهوان!
لقد ساءلت نفسي: أحقاً أن في الأزهر كل هذه العيوب التي يرميه الناس بها، أم أنهم يتجنون عليه ويتندرون على حسابه؟
وسرعان ما أجبت عن هذا التساؤل، فاعترفت بكثير من هذه العيوب، وعذرت الذين يلومون:
في الأزهر من غير شك نواحي نقص عظيمة، ويجب أن نكون صرحاء إلى أبعد حدود الصراحة. وإذا جاز لكاتب مهذب كالأستاذ الزيات أن يجامل الأزهر، فلا يذكر كل ما يعرفه من عيوبه، حين يتناوله بالنقد، فإن ذلك لا يجوز لأزهري يصطلي ليله ونهاره هذه