قد يكون أنصار المادية المفرطة معذورين في زعمهم أن ليس ثمة إلا الجسم وأجهزته والمخ وآثاره، فإنهم يرجعون الظواهر العقلية على اختلافها إلى مصدر ثابت ومنبع معين. كما إن المثاليين الغلاة يتفادون بعض الصعوبات حين يذهبون إلى أن النفس وحدها هي الحقيقة، وما وراءها صور وأوهام فإن هؤلاء وهؤلاء لا يعترفون غلا بأصل واحد ماديا كان أو روحياً يبنون عليه تفسيراتهم وحلولهم. أما من يقولون بالجسم والنفس، بالمادي والروحي، بالثنائية على العموم، فإنهم يصطدمون بعقبة لم يجدوا السبيل إلى تذليلها. وكيف يمكن ربط المختلف والتوفيق بين المتنافر وضم أمرين من طبيعتين متغايرتين أحدهما إلى الآخر؟ لهذا كانت الصلة بين الجسم والنفس عقدة العقد ومشكل المشاكل في كل مراحل التاريخ.
فقديما نرى أفلاطون، وهو أكبر ممثل للثنائية لدى اليونان، مضطرباً وغامضاً إزاء هذه المشكلة، فيقول حينا إن النفس متميزة كل التميز من الجسم وإنها الإنسان على الحقيقة، ويظن حينا آخر أنهما على اتصال وثيق وبينهما عراك دائم، فالجسم يصرف النفس عن الفكر ويجلب عليها آلاماً كثيرة بميوله وأهوائه، وهي من جهة أخرى تحاربه وتجد في الخلاص منه، ولكن كيف يتم هذا التفاعل ويلتقي الجسم بالنفس ويؤثر كل منهما في الآخر؟ هذا ما لم يجب عليه أفلاطون. ولعل أرسطو قد حاول التخلص من هذا المأزق حين ذهب إلى أن النفس صورة للجسم؛ والصورة والمادة متصلان ومتداخلان بحيث يكونان شيئاً واحداً. بيد أن هذا الحل غامض كذلك ولا يخطو بنا إلى الأمام كثيراً. ومع هذا فقد قرر له نجاح كبير في القرون الوسطى؛ فإن أغلب الفلاسفة المدرسيين يزعمون أن النفس صورة للجسم في الوقت الذي يقررون فيه أنها جوهر روحي ذو شخصية مستقلة، وهذا تناقض مكشوف.
وفي التاريخ الحديث يعيدها ديكارت جذعة، ويثير هذا الموضوع في شكل حاد، ويقول بجوهرية الجسم والنفس معاً مميزاً الأول بالحيز والثانية بالتفكير؛ وهذه هي الثنائية