للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فوق الآدمية]

الإسراء والمعراج

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

من أعجب ما اتفق لي أني فرغتُ من تسويد هذا المقال ثم أردتُ نقله فتعسَّرَ عَّلي وصُرِفتُ عنه بألم شديدٍ اعتراني ونالتني منه ثقلةٌ في الدماغ؛ ثم كشفه الله بعد يوم فراجعتُ الكتابةَ، فإذا قلمي ينبعث بهذه الكلمات:

كيف يَستَوْطِئُ المسلمون العجز وفي أول دينهم تسخير الطبيعة؟

كيف يَسْتَمْهِدون الراحة، وفي صدر تأريخهم عملُ المعجزة الكبرى؟

كيف يَركَنُونَ إلى الجهل، وأول أمرهم آخرُ غايات العلم؟

كيف لا يحملون النور للعالَم، ونبيُّهم هو الكائن النورانيُّ الأعظم؟

قصة الإسراء والمعراج هي من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا النجم الإنساني العظيم، وهذا النور المتجسِّد لهداية العالم في حَيرة ظلماته النفسية؛ فإن سماء الإنسان تُظلم وتُضيء من داخله بأغراضه ومعانيه. والله تعالى قد خلق للعالم الأرض شمساً واحدةً تُنيره وتُحييه وتتقلب عليه بليله ونهاره، بيد أنه ترك لكل إنسان أن يصنع لنفسه شمس قلبه وغمامها وسحابها وما تسفِرُ به وما تظلم فيه. ولهذا سمي القرآن نوراً لعمل آدابه في النفس، ووُصف المؤمنون بأنهم (يسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمانهم)، وكان أثر الإيمان والتقوى في تعبير القرآن الكريم أن يجعل الله للمؤمنين نوراً يمشون به.

ولقد حار المفسرون في حكمة ذكر (الليل) في آية (الإسراء) من قوله تعالى: (سُبحانَ الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركْنا حوله لنُريه من آياتنا). فإن السُّرى في لغة العرب لا يكون إلا ليلاً؛ والحكمة هي الإشارة إلى أن القصة قصةُ النجم الإنساني العظيم الذي تحول من إنسانيته إلى نوره السماوي في هذه المعجزة، ويتمم هذه العجيبةَ أن آيات (المعراج) لم تجئ إلا في سورة (والنجم) وعلى تأويل أن ذكر (الليل) إشارةٌ إلى قصة النجم، تكون الآية برهان نفسها، وتكون في نَسَقها قد جاءت معجزة من المعجزات البيانية. فإذا قيل إن نجماً دار في السماء، أو قطع ما تقطعه النجوم من المسافات التي تعجز الحساب، فهل في ذلك من عجيب؟ وهل فيه شك أو نظرٌ أو تردد؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>