كتب الأستاذ محمود البشبيشي كلمة في العدد (٥٣٤) من الرسالة جعلها رداً على سؤالنا الذي وجهناه من قبل إلى أئمة الدين والعلماء المحققين لكي يبلغوا لنا رأيهم في أمر وحي القرآن باللفظ، وكأنه حسب أن هذا الرد فيه بلاغ للناس وجواب عما سألنا
يقول الأستاذ (إن موضوع الوحي من القضايا التي فصلت فيها الأيام منذ عهد الرسالة، وموضوع خلق القرآن أو قدمه من المباحث التي توفر عليها علماء المسلمين في عهد المأمون والواثق (كذا) والمعتصم وما تركوا منها ناحية تحتاج إلى توضيح أو استيفاء)
ونحن إذا كنا لم نعرض بشيء لأمر خلق القرآن فإنا نجيب عن ذلك، أنه لم يكن لوحي القرآن قضية في عهد الرسول وصحابته ومن تبعهم حتى يبحثوا عنها أو يفصلوا فيها، وإنما كانوا يعلمون أن القرآن كتاب منزل يفهمونه ويعملون بما فيه. ولقد كان للسلف مذهب في فهم صفات الله التي وردت في القرآن ولم يكن منها صفة (المتكلم)؛ ذلك أنهم يرونها كما وردت بغير تمثل ولا تعطيل ولا تأويل. وظل الأمر على ذلك إلى أواخر الدولة الأموية حين ظهرت مسألة خلق القرآن، فكان العلماء يتولونها بالجدل والبحث حتى دخلت السياسة فيها زمن المأمون إذ حمل الناس على القول بخلق القرآن، واستمر الأمر على ذلك أيام المعتصم والواثق إلى أن تولى المتوكل فنهى الناس عن الخوض في هذا الأمر. ولما كفت السياسة عن تدخلها عاد البحث إلى العلماء يتناولونه فيما بينهم
وبهذا الذي بيناه ينتفي ما قاله الأستاذ البشبيشي من أن علماء المسلمين في عهد المأمون وما بعده لم يتركوا منه ناحية إلى توضيح أو استيفاء
وقال الأستاذ:(إن سلف العلماء وأئمة الفرق الإسلامية لم يختلفوا - أي كما قلنا نحن - على أن القرآن لفظاً ومعنى كلام الله) وهذا عجب منه لأني لم أقل ذلك ولم أعرض بشيء (لمعنى القرآن) وهذا نص كلامي (ووحي القرآن باللفظ أمر اختلفت فيه الفرق الإسلامية)
وقال (إنما الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة على قدم اللفظ وحدوثه) ونحن نذكر للأستاذ أنه لم يكن ثم خلاف بين هاتين الطائفتين على حدوث الكلام اللفظي وإنما كان خلافهم على (المعنى النفسي)، وأن فرقاً كثيرة قد شجر بينها الخلاف في كلام الله حتى قال ابن تيمية