ما أقل الذين يعرفون أن ابن سينا اشتغل في الرياضيات والفلك، وأن له فضلا كبيراً في علم الطبيعة وقد يكون لهم بعض العذر إذا علمنا أنه كان فيلسوفاً وطبيباً، وان شهرته في هاتين الناحيتين ومؤلفاته الكثيرة فيهما جعلت الناس لا ترى عبقريته في النواحي الاخرى، وسيقتصر بحثنا في هذا المقال على مآثر ابن سينا في الرياضيات وعلم الطبيعة، وقد نأتي عرضا على بعض آثاره في الفروع الأخرى من المعرفة. وهو أبو علي الحسن بن عبد الله بن سينا ويلقب بالشيخ الرئيس، ويعرف عند الإفرنج باسم ويقول عنه بعض فلاسفة الغرب انه أرسطو الإسلام وابقراطه، وهو أيضاً من العلماء العالميين المشهود لهم بطول الباع في كثير من العلوم والفنون. ولد في خرميشن من ضياع بخارى سنة ٣٧١هـ - ٩٨٠م وتوفي في همدان سنة ٤٢٨هـ - ١٠٣٧م. اشتغل ابن سينا في الرياضيات والفلك وعلم الطبيعة وكان له بها ولع خاص، وكذلك في الفلسفة والموسيقى والطب والمنطق، وله في هذه كلها مؤلفات قيمة يعد بعضها من موسوعات العلوم وتشهد له بعبقريته ونبوغه، وقد نقلت هذه المؤلفات إلى اللاتينية وكان لها تأثير عظيم في نهضة أوربا الحديثة.
منشؤه
كان والد الشيخ الرئيس من بلخ، انتقل إلى بخارى في أيام نوح بن منصور سلطان بخارى، واشتغل والياً في إحدى قراها خرميشن، وبعد حين رجع إلى بخارى حيث تولى تهذيب ولده، فاحضر معلما ليدرسه القرآن الكريم والأدب وعلم النحو، وصادف ان جاء إلى بخارى عبد الله الناتلي، ونزل في دار الشيخ الرئيس فاستفاد منه كثيراً، ثم اخذ ابن سينا يقرأ الكتب بنفسه ويطالع الشروح فقرأ كتب هندسة اقليدس، وكتب المجسطي والطبيعيات والمنطق وما وراء الطبيعة، فخرج من ذلك واقفاً على دقائق علم الهندسة بارعاً في الهيئة محكما علم المنطق، مبرزاً في علم الطبيعة وعلوم ما وراء الطبيعة، ولم